سمر فضول
يوم وصل «الموس» الى رقبة أركان عدد من رموز السلطة الحاكمة المختلفة في ما بينها، إتّحدوا فوراً ووضعوا «الكتف على الكتف» للإفلات من العقاب وطمس الحقيقة، «حقيقة انفجار مرفأ بيروت».
شَيطنَ بعض الاطراف المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وصل الامر بهم حد استعمال المصطلحات الجاهزة غب الطلب حين يتم «حَشرهم» كـ«أمرَكة الرجل» بحجّة أن عدداً من النواب في مجلس الشيوخ الأميركي أبدوا قلقهم من دور «حزب الله» في الدفع بقرار تعليق هذا التحقيق الحساس، وتشديدهم على «نزاهة المحقق البيطار على أنه قاضٍ محترم، خدمَ بلاده لأكثر من عقد».
اليوم يتوجّس أهالي الضحايا من سيناريو المماطلة في اصدار محكمة الاستئناف قرار دعوى الرد المقدمة من النائب نهاد المشنوق بحق القاضي البيطار الى حين افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب حيث تعود معها الحصانات للنواب، وتعود «نغمة» تشكيك أركان السلطة بصلاحية الجهّة المحققة، وإغراق التحقيق في متاهات دستورية قد لا تحسم أبدا، من خلال التعميم أنّ المولج التحقيق مع النوّاب والوزراء هو فقط المجلس الأعلى لمحاكمة النواب والوزراء، فتسترد الطبقة السياسية الكرة الى ملعبها ويتعرض التحقيق لانتكاسة كبيرة.
التحقيق علّق؟
اذاً، أكثر من أسبوع مضى على تعليق التحقيق، والمخاوف من استمرار سياسة التفلّت من العقاب بدأت تغزو قلوب أهالي الضحايا. لكن، ومن وجهة نظر قانونية فالتحقيق، ورغم تعليقه في إنتظار بتّ محكمة الإستئناف في بيروت بطلب الردّ، لم ينته بعد.
مصدر قانوني يوضح أنّ الدعاوى التي قدمها النواب المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل من شأنها أن «توقف التحقيق تلقائيا، ولكن بحسب الإجتهادات، فإن محكمة الإستئناف في بيروت ليس من اختصاصها تنحية المحقق العدلي، كونه غير تابع لها، وتالياً فإنّ هذه الدعوى غير قانونية، وهدفها واضح وصريح وهو وقف التحقيق في الفترة التي سقطت خلالها حصانة النواب الى حين انعقاد مجلس النواب في جلسته العادية، ذلك أنّ حصانات النواب ليست مطلقة، ولا تمنح لهم الا خلال انعقاد المجلس النيابي في دورتيه الأولى والثانية ودوراته الإستثنائية، ومع عقد المجلس دورته العادية في 19 من الشهر الجاري سيضطرّ القاضي البيطار الى طلب إذن من مجلس النواب للتحقيق مع النواب الثلاثة».
أمّا الدعوى التي قدمها وزير الاشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس لنقل التحقيق من البيطار الى قاض آخر، فيعتبر المصدر أنّ «النية واضحة وهي الإفلات من المحاسبة، كون نقابة المحامين في الشمال أعطت الإذن بمحاكمته لكنه تقدّم باستئناف ضد قرار النقابة، وهذا الاستئناف لا يعفيه، علماً أن التحقيق مع وزير الاشغال السابق مرتبط بأعماله كوزير وليس بعمله كمحام».
وعن الاستناسبية التي يتهم بها بيطار في تحقيقاته يؤكّد المصدر القانوني أنّ «المسؤولين الذين تمّ استدعاؤهم كانوا في موقع مسؤولية وعلى علم بتخزين النيترات في مرفأ بيروت، وبالتالي فإن الشبهة في حقّهم مشروعة».
وعن عدم صلاحية البيطار في محاكمة الوزراء والنواب كونها من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يشدد المصدر على أنّ «الدستور واضح، فصلاحيات المجلس تنحصر بمحاسبتهم في حالتين: لدى ارتكابهم الخيانة العظمى أو إخلالهم بواجباتهم الوظيفيّة. امّا في كل القضايا الأخرى فيحاكمون أمام القضاء، ما يعني أنّ قضية المرفأ هي من صلاحية القضاء العدلي».
أهالي الضحايا
لأهل السياسة ملاحظاتهم وحساباتهم ازاء التحقيق في انفجار المرفأ، ولأهالي الضحايا هواجسهم ومخاوفهم المشروعة من أي طرف يحاول طمس الحقيقة وتضييعها على حساب دماء أبنائهم الذين ذهبوا ضحية اهمال السلطة. وبالنسبة الى هؤلاء الاهالي يبقى التحقيق أكبر من القاضي والطبقة السياسية وجل ما يصبون اليه هو معرفة من تسبب بقتل أبنائهم، وتحت هذا السقف يتحركون على الارض وبوتيرة تصاعدية يحددها المسار القضائي وتعامل أهل السلطة معه.
شقيق الضحية جون نون، وليام قال لـ«الجمهورية» انّ «مسار التحركات للدفع نحو الإسراع في بت الملف، يحسم اليوم». لافتا الى أنّهم «في صدد زيارة القاضي سهيل عبود، وطلب موعد من رئيس محكمة الاستئناف القاضي نسيب إيليا لمعرفة مصير قضيّتهم».
ويٌبدي نون تخوّفه من تنحية البيطار، ويقول: «هدفنا أن يبقى هناك قاض ممسك بالقضية، لأن تنحية القاضي البيطار وفي غياب مجلس قضاء أعلى سيجعل القضية متروكة بلا قاضي تحقيق».
ثقة الاهالي بالبيطار كبيرة كما يؤكد نون، الذي يوكّد: «لم نلمس أن القاضي البيطار مسيّس أو منحاز لفئة دون الأخرى، لذلك نحن ما زلنا متمسكين به، وما يهمنا هو أن يحاسب المرتكبون»، لافتاً الى أن «كلّ من استدعاهم هم في مواقع مسؤولية»، داعيا في المقابل الى «منع انعكاس الإنقسام السياسي في لبنان على هذه القضية، فإن استدعى القاضي أحداً من هذه الجهة لا يعني أنه يجب أن يستدعي أحدا من الجهة الأخرى، فالمحاسبة لا تكون وفق منطق 6 و 6 مكرر».
يسلّم الاهالي بالقضاء اللبناني الذي طالبت به الطبقة السياسية بعد دعوتهم الى تحقيق دولي لمعرفة حقيقة من قتل اولادهم، وهنا يدعو نون السياسيين الى «التزام ما يطلبه المحقق العدلي، ففي النهاية سيُظهِر القرار الظني كلّ مرتكب».