كهرباء لبنان لم تعد قادرة على تثبيت استقرار الشبكة. عشرات الانقطاعات الشاملة للكهرباء يشهدها البلد بسبب النقص الشديد في الفيول، ما يؤدي إلى انخفاض التغذية إلى أقل من 500 ميغاواط، وهو الحد الأدنى الذي لا يمكن للمؤسسة أن تحافظ على الاستقرار تحته. الانقطاعات لا تعني فقط توقّف التغذية في كل لبنان، بل تعني أيضاً إلحاق أضرار كبيرة بالمعامل، ما يساهم في تسريع الحاجة إلى عمليات الصيانة التي لا تتوفر الأموال اللازمة لها أصلاً. ولمعرفة مدى خطورة الانقطاعات، يتضمّن عقد شركة MEP المشغّلة لمعملَي الجية والزوق الجديدين، على سبيل المثال، بنداً جزائياً يفرض على الشركة دفع غرامات كبيرة في حال تسبّبت بالانقطاع الشامل لخمس مرات في السنة. هذا يؤشر إلى أن الانقطاع 16 مرة خلال الأسبوعين الماضيين هو، بالمعايير التقنية، كارثة على القطاع. لكنّ الأسوأ أن أحداً لا يستطيع أن يضمن أن لا تتكرر هذه الانقطاعات مراراً في الفترة المقبلة بسبب نقص الفيول.
وعلى المنوال نفسه، أجبر تأخّر باخرة الفيول «غراد ب» التي تزود معملَي الزوق والجية، المؤسسة على تشغيل معملَي دير عمار والزهراني بقدرتهما القصوى لزيادة التغذية وتثبيت الشبكة، ما أدى إلى استنزاف المتوفر من مخزون الديزل أويل.
يوم أمس، بدأت المؤسسة تفريغ الشحنة الثانية من اتفاقية التبادل مع العراق، ما يعني أنه خلال يومين (بعد إجراء الفحوصات اللازمة للشحنة) سيعاد تشغيل معملَي الزوق والجية، مقابل تخفيض إنتاج معملَي الزهراني والزوق، أي أن الإنتاج لن يتحسّن، لا بل إن شبح الانقطاعات الشاملة لن يغيب، فالمؤسسة صارت بين خيارين أسوؤُهما مرّ: إما أن تشغّل مجموعات الإنتاج بما يتوفر من مخزون يؤمّن قدرة إنتاج تبلغ 600 ميغاواط تضمن بموجبها استقرار الشبكة وتخاطر بنفاد المخزون بالكامل، أو تخفّف من وتيرة الإنتاج فتزيد احتمال الانقطاعات الشاملة. وهي قرّرت، بحسب بيانها، اللجوء إلى الخيار الأول. ولا أفق في ظل هذا الواقع، سوى في إسراع مصرف لبنان بتحويل الـ 100 مليون دولار إلى المؤسسة. لكن حتى هذا الخيار لا يمنع العتمة، التي يشكل فقدان المؤسسة السيطرة، لمصلحة قوى الأمر الواقع، أحد أسبابها.
وبحسب مصادر معنيّة، فإن المبلغ لم يُقَرّ بصفته سلفة خزينة إلى المؤسسة كما أشيع بعد جلسة مجلس الوزراء، بل هو مجرد تحويل لأموال تملكها المؤسسة بالليرة اللبنانية. فكهرباء لبنان نتيجة تراكم الأموال لديها بالليرة، صارت تملك نحو 200 مليار ليرة. ولذلك، فقد أكّدت أنها لا تحتاج إلى سلفة بل تحتاج إلى تحويل مصرف لبنان لأموالها إلى الدولار، انطلاقاً من أنها مؤسسة عامة ولا خيار أمامها سوى الحصول على الدولار من مصرف القطاع العام، وهو ما ساهم مجلس الوزراء في حصوله من خلال قراره.