عاشَتْ طرابلُس عاشَـــتْ نِقابتُها
عاشَتْ طرابلُس عاشَـــتْ نِقابتُها

خاص - Sunday, October 3, 2021 7:25:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

قبل أن أنتسب إلى المحاماة، حلمت بها، فلمّا استيقظت، وجدتني في خضمّ من القلق والهموم المتوالدة.. فما أقسى على المرء من أن تضاف إلى مشاكله، مشاكل الآخرين، إذ يمارس المحامي عمله على حدّ السيف، فهو ملام إن خسر، ومهضوم الحق إن ربح، ومع هذا فإنّ عمري أهريق على بلاط الخطوات الضائعة، يتلبّسني السواد المزرّر حتى العنق، فتبدو لي الياقة على بياضها أشبه بالمشنقة، فإن ادخلت يدي في جيبي الرداء وجدتهما بلا قعر فكأنه كتب علينا أن نكون كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.
في ظل تلك الأجواء الصعبة تكونت صداقاتي، وتنوعت ثقافتي، وترافعت حتى انتفخت الأوداج، وحسَّنت معارفي الأدبية والفلسفية، لتحسين أدائي المهني، وحزنت حتى الإحباط لخسارتي ما كنت أؤمن أنه حق، وانتاتبني فرحة الربح مع تنغيص عدم دفع الأتعاب، ولكن... ورغم كل شيء، كانت المحاماة حياتي التي لن أتقاعد منها حتى آخر رمق، لأن أكثر ما اعتززت به أنني كنت نقيباً للمحامين، وأكثر ما وخزني أن المرحومة الوالدة قالت لي بعد نجاحي، باكية، ليت أباك كان بيننا. شهدت غياب زملاء أعزاء، وألقيت كلمات أثناء وكالتي النقابية في رثائهم، لكن الغياب الذي جرحني كثيراً هو الرحيل المباغت لصديق العمر رشيد فهمي كرامي، وهو في عز العطاء، وقد كان أحد صاحبيْ المكتب الذي تدرّجت فيه. بعد هذا انتقل المتدرّج محمد المراد إلى مكتبنا فتولاه الزميل الكبير طوني تاجر بعنايته الفائقة وقال لي إنه مجتهد جداً، وسيكون له شأن، فأي شأن أكبر من أن يصبح نقيبنا وأن نخاطبه، طوني تاجر وانا بلقب النقيب جزيل الاحترام.
إن مدة وكالته الآن على وشك الانتهاء، ولكنه قام بإصلاحات جوهرية في النقابة تحديثاً وتنظيماً وإسهاماً تشريعياً، وأرسى علاقة وطيدة مع الجسم القضائي حُصرت فيها الخلافات بأضيق الحدود، وكان لتعاونه الصادق مع الرئيس الأول رضا رعد، والنائب العام نبيل وهبي وهما من أهل الرضا والنبل، أطيب الأثر في النفوس وفي المسار، وهاهم الآن ثلاثتهم جميعاً يخرجون من المسؤولية، حيث يتقاعد القاضيان فيما تأوي صورة النقيب إلى اللوحة التذكارية لصور النقباء.
ما دعاني لاختيار هذا الموضوع أن الفكرة لمعت في خاطري عندما كنت ليل الخميس الماضي برفقة النقيب والزميل شوقي ساسين نستمع إلى بروفات كورال الفيحاء لنشيد النقابة الذي ألفه شوقي وهو الشاعر النحرير، ولحّنه ابونا نيقولا مالك، وتفضّل كورال الفيحاء، بتنفيذة بقيادة المايسترو الرائع "باركيف" على أن ينشد في الحفل الكبير الذي سيقام بمناسبة مرور مئة عام على إنشاء نقابة محامي طرابلس فعمرها من عمر لبنان، وإنه لقرن زاخر بالابتكار، وإنه لوطن حقيق بالاستمرار، وإنها لنقابة جديرة بأرفع الاعتبار.
كم فرحت لمشاهدتي شابات وشباباً ينصاعون رغبة وطواعية وهواية وحرفية لتوجهيات المايسترو العصبي الذي خشيت عليه لشدة انفعاله، وكم تولّتني النشوة عندما صدحوا بكلمات النشيد التي أنقل لكم بعضها:
الأَرْزُ عِــمَّتــــُها والبــــَحْــــرُ شُرْفَـــتُها
والحقُّ صخرَتُها والفِــــعْلُ كِــــــــلْمَتُها
عاشَتْ طرابلُسٌ عاشَـــتْ نِــــــــقابتُها

دارٌ شِمالَ الطّيبْ بُسْتانُها الأَزْمـــــانْ
بابُ أَشَمُّ رَحيبْ يُفْضي إلى الانسانْ
شُبّانُها والشِيبْ يزهو بِــــهمْ لبنانْ
تكبيرةٌ.. جَرَسٌ للحبِّ سُـــورَتُها
عاشَتْ طرابلُسٌ عاشَــــــــتْ نِقابُتها

يا ثوبَها الدّاكِنْ ذا اليــاقَةِ البيضاءْ
مثلَ الدُّجى لكِنْ ملْءَ المحاكمِ ضاءْ
يا عُمْرَنا السّاكِنْ في الكُتْبِ والآراءْ
أيّامُنا غَلَسٌ والعِلْمُ نـــــجْمَتُها
عاشَتْ طرابلُسٌ عاشَتْ نِقابتُها

المُقْسِمونَ يمينْ إنَّ الضَّميرَ هُمُ
لولاكِ، أيُّ يقينْ كانوا به اعْتَصَمُوا؟
ها مَرَّ قَرْنُ سِنينْ عُنوانُـــــــه القِيَمُ
أجْفانُنا حَرَسٌ إن تَدْعُ شِرْعَتُها
عاشَتْ طرابلُسٌ عاشَتْ نِقابُتها

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني