أصاب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد لدى سؤاله: «ماذا يريدون من الانتخابات؟». وأصاب في إجابته: «يريدون الحصول على الأكثرية النيابية».
أفسحت الأكثرية النيابية التي نالتها 14 آذار في انتخابات العام 2005 في المجال أمام تشكيل حكومة الأكثرية فيها للفريق السيادي، وقد ووجِهت هذه الأكثرية بتعليق المشاركة في الحكومة حيناً، وإقفال مجلس النواب أحياناً، والاغتيالات بهدف إنقاص الأكثرية في معظم الأحيان، إلى ان وجد «حزب الله» ان الوسيلة الوحيدة لفرملة اندفاعة الحركة الاستقلالية تكمن في استخدام سلاحه وقلب الطاولة مرة واحدة ونهائية، وهذا ما حصل في أيار 2008.
فالأكثرية الـ14 آذارية أنهَكت «حزب الله» على رغم انه كان بإمكانها ان تواجهه بطريقة أفضل، وان تحكم بشكل مختلف عن الحكم الذي كان سائداً قبل الخروج السوري من لبنان، فيما الظرف اليوم يختلف عن الظرف السابق، لأنّ الانقسام لم يعد من طبيعة سيادية فحسب، إنما تحوّل أيضا إلى نقمة شعبية واسعة بسبب أوضاع الناس المعيشية المزرية، والتي تحمِّل الحزب مسؤولية ما آلت إليه الأمور في لبنان من عزلة وفشل للدولة، وبالتالي سيكون في مواجهة مع شرائح مختلفة من المجتمع اللبناني.
وكلام النائب رعد واضح جدا بأنه لا يريد العودة إلى تجربة العام 2005، والتي ستكون أسوأ على الحزب من 3 زوايا أساسية: الانهيار الكبير الذي وصل إليه لبنان ولا يحتمل استخدام الحزب لسلاحه مجددا كونه يؤدي إلى سقوط البلد، الغضب الشعبي بسبب خسارته كل شيء وفقدانه الشعور بالخوف، وضع لبنان تحت المجهر الدولي.
فالحزب بهذا المعنى يريد تجنُّب خسارته للأكثرية النيابية كي لا يضطر إلى رد فعل لا يستطيع تحمله، أو يؤدي إلى مفاقمة خسارته، ولكن هناك من يسأل لماذا لا يلجأ إلى تطيير الانتخابات إذا كان متأكداً من خسارته؟
وعلى رغم انه ليس من السهولة بمكان تطيير الانتخابات بعد تشكيل الحكومة وانتقال الوضع اللبناني إلى حال من الاستقرار، وفي ظل التشديد الدولي على إجراء الانتخابات في موعدها، إلا ان الحزب تأسيساً على انتخابات العام 2009 لا يركن إلى مزاج الناس ونتائج الاستطلاعات، لأن فائض قوته يعمي بصيرته، فهو كان متأكداً مثلاً من الفوز باستحقاق 2009، معلناً ان من يفوز يحكم، ولكن سرعان ما تراجع بعد خسارته، ولا يبدو انّ ذهنية الحزب المستندة إلى فائض القوة قد تبدلت، إنما في الوقت الذي يظن فيه انه سيربح الانتخابات، سيخرج منها فاقداً للأكثرية.
ويندرج موقف النائب رعد أيضاً في سياق بداية التعبئة السياسية لبيئته بتحذيرها من أي تلكؤ في الانتخابات المقبلة، فأراد ان يصوِّر انتزاع الأكثرية من حزبه بالمؤامرة الكونية، وهذا دليل انّ وضع الحزب غير جيِّد داخل بيئته، وإلّا لما احتاج إلى هذا النوع من شدّ العصب وعلى مسافة أشهر من الانتخابات، خصوصاً ان بعض الأجواء تتحدّث عن مقاطعة شيعية واسعة للانتخابات من أجل توجيه رسالة اعتراضية للحزب على سياسته، وانطلاقاً من وجود شبه قناعة لديها بصعوبة إيصال مرشحين من خارج الثنائي الشيعي.
وفي موازاة ذلك هناك من يعتبر ان المطلوب من هذه الانتخابات تحقيق 3 أهداف وليس هدفا واحدا:
الهدف الأول من طبيعة مركزية ويتعلّق تحديداً بحديث النائب محمد رعد، وهو انتزاع الأكثرية من «حزب الله»، وهذا هدف أساسي ومركزي من أجل نقل الأكثرية من مكان إلى مكان آخر، واي أكثرية برلمانية جديدة تعني إمساكها بـ3 أوراق أساسية: التكليف والتأليف والانتخابات الرئاسية، فضلا عن ان الأكثرية الجديدة يُفترض ان تكون قد اتّعَظَت من تجربة أكثرية 14 آذار، فلا تدخل منذ اللحظة الأولى بأي مساومات وتسويات مع الحزب، وتذهب باتجاه تشكيل حكومة من الأكثرية الجديدة أو تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين خلافاً لواقع الحال اليوم.
الهدف الثاني من طبيعة لامركزية ويتصل في إفقاد «التيار الوطني الحر» ورقة الأكثرية المسيحية قطعاً للطريق على اي كلام رئاسي او استخدام لهذه الأكثرية في سياق الاستحقاقات الدستورية، وحتى لو احتفظ، افتراضاً، بأكثريته فإنّ احتفاظه بالرئاسة الأولى أصبح من سابع المستحيلات، ولكن على رغم ذلك يجب انتزاع ورقة الأكثرية المسيحية منه بسبب إساءته للدور المسيحي التاريخي الذي شكل رأس حربة الدولة والسيادة والحياد والانفتاح العربي والغربي، فانقلب «التيار الحر» على كل هذا الدور واستبدل مشروع الدولة بتغطية الدويلة، والعمق العربي والغربي بالعمق الإيراني.
ومن هذا المنطلق تشكل الانتخابات محطة وفرصة لتوجيه رسالة من الشارع المسيحي إلى «التيار الوطني الحر» بأنّ الخيارات التي اعتمدها، والممارسة التي اعتمدها عندما تبوأ أرفع موقع في هرمية السلطة، ارتّدا سلباً على المسيحيين ودورهم وحضورهم.
الهدف الثالث من طبيعة لامركزية أيضا ويتعلق بإضعاف «حزب الله» داخل بيئته، وذلك انطلاقا من الواقع التعددي اللبناني، لأن الحزب المُحتضَن من بيئته غير الحزب المرفوض من هذه البيئة، ولا يكفي تكوين أكثرية لبنانية ضد السلاح، على رغم أهميتها، إنما يجب تكوين أكثرية شيعية ضد هذا السلاح أيضا، وبقدر ما ان مسؤولية اللبنانيين كبيرة من أجل الاقتراع مع الدولة ضد الدويلة سعياً لأكثرية تستعيد قرار الدولة المخطوف، فإن مسؤولية الشيعة كبيرة أيضا من أجل قول كلمتهم ونزع الغطاء الشعبي الشيعي عن الحزب.
وهل من يذكر مثلاً جواب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما سئل في قصر الصنوبر كيف يقبل ان يلتقي مع «حزب الله» المصنّف إرهابيا؟ فكان جوابه: هذا التصنيف هو أميركي وأوروبي، واجتماعي مع الحزب اليوم يندرج في إطار صفته التمثيلية اللبنانية، وهذه الصفة بالذات التي على الشيعة قول كلمتهم فيها، كما على اللبنانيين قول كلمتهم في الاقتراع ضد كل من يحالف «حزب الله»، والأهم الاقتراع العقلاني لا العشوائي، اي الاقتراع لمن هو قادر على تحقيق حلمهم بدولة.
وقد لا يكون مُتاحاً في هذه المرحلة اختراق الثنائية الشيعية، على رغم ضرورة المحاولة، إلا ان نسبة التصويت أساسية على هذا المستوى، وما يجدر قوله ان هذا ليس استهدافا للشيعة، إنما سعيا لتطبيق الدستور وإعادة الاعتبار للدولة التي تشكل وحدها الضمانة لجميع اللبنانيين من دون استثناء.
وتأسيساً على ما تقدّم، هناك تكامل بين الأهداف الثلاثة، والتغيير الفعلي يبدأ من خلال الحصول على الأكثرية النيابية، وإفقاد «التيار الحر» الأكثرية المسيحية، وتراجع «حزب الله» داخل البيئة الشيعية، وما لم يُحسن المواطن اللبناني التصويت، فيعني ان الأزمة اللبنانية ستراوح، وان الازدهار بعيد المنال، وان الدولة ستبقى مخطوفة.
ولا شك ان هناك فرصة حقيقية لتحويل محطة الانتخابات مناسبة لتسجيل 3 نقاط من طبيعة استراتيجية في استحقاق واحد، فإذا فعل الشعب اللبناني ذلك، فهذا يعني انّ ما بعد الانتخابات لن يكون كما قبله، وإذا لم يفعل فهذا يعني فصلاً جديداً من فصول المأساة المفتوحة والمستمرة.