رلى إبراهيم
إلغاء انتخابات المقاعد الستة الموزعة على المغتربين يكاد يكون موضع إجماع بين الكتل النيابية وتسليم لدى جماعات «المجتمع المدني». الاهتمام حالياً منصبّ على ما إذا كان يحق لهؤلاء المغتربين الاقتراع من أساسه، في لبنان والخارج، أسوة بانتخابات 2018، في ظل اجتهادات قانونية تؤكد عدم جواز ذلك
قبل تحديد 27 آذار 2022 موعداً لإجراء الانتخابات النيابية، كان التركيز منصبّاً على ما إذا كانت قوى السلطة السياسية ستجري الانتخابات في موعدها. اليوم، بات الهمّ الأساسي للأحزاب السياسية وجماعات «المجتمع المدني» يتمحور حول اقتراع المغتربين. تجري مقاربة الأمر من ناحيتين:
الأولى: استحداث 6 مقاعد للاغتراب تضاف إلى المقاعد الـ128 ليصبح العدد النهائي للنواب 134 نائباً، على أن توزع بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين (موارنة، أرثوذكس، كاثوليك، سنة، شيعة ودروز) وبين القارات الست على ما تنص المادة 112 من قانون الانتخاب 44/2017. ويجري الاقتراع في الخارج على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة قبل 15 يوماً على الأكثر من الموعد المعين للانتخابات في لبنان.
والثانية: حقّ المغتربين بالاقتراع داخل لبنان لانتخاب النواب الـ128 شأنهم شأن غيرهم من اللبنانيين المقيمين. وهو ما حصل فعلياً خلال انتخابات عام 2018 حين جرى الاتفاق بين الكتل النيابية على تعليق العمل بالمادة 112 التي تتعلق بآلية اقتراع المغتربين وملحقاتها، والتوافق على تطبيقها في الدورة الانتخابية التي تلي الدورة الأولى أي في عام 2022. وهنا تبرز الإشكالية الأكبر. فخلال اجتماعات اللجنة النيابية المكلفة درس التعديلات على قانون الانتخاب، لم يبد أي حزب، باستثناء التيار الوطني الحر، حماسة للمقاعد الستة. وبعد اجتماعين للجنة، بات من شبه المحسوم أن الأكثرية لا تريد استحداث مقاعد للاغتراب. وعليه، يفترض بالهيئة العامة لمجلس النواب أن تُقرّ في جلستها المقبلة التي قد تعقد خلال الأسبوع المقبل، التعديلات اللازمة لإلغاء هذه المادة. لكن دون ذلك عقبات، أو بالأحرى اجتهادات قانونية لم تُحسم بعد.
الاغتراب يقترع… لن يقترع
يبدأ المغتربون الراغبون بالاقتراع بتسجيل أسمائهم اليوم في السفارات والقنصليات اللبنانية بحضورهم شخصياً، أو بموجب كتاب موقّع ومثبت وفقاً للأصول، أو بموجب التسجيل الإلكتروني في الموقع المخصص لهم من قبل وزارة الخارجية. تسجيل المغتربين في مدة أقصاها تاريخ 20 تشرين الثاني، لن يحسم مسألة ضمان حقهم في الاقتراع داخل الأراضي اللبنانية. إذ ثمة رأيان يحكمان مصير هؤلاء المقترعين، أولهما أن تعليق العمل بالمادة 112 يقفل تلقائياً كل حق اقتراع اغترابي على قاعدة أن القانون واضح في فصله الحادي عشر المخصص لآلية اقتراع المغتربين. وبالتالي إذا انتفى هذا التخصيص ينتفي كل اقتراع لأي مغترب. وثانيهما يفصل بين الأمرين لأن القانون ينص على اقتراع المغتربين ببند مستقل، والحلّ الأنسب هنا العودة إلى الحال نفسه كما الدورة الماضية.
الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين يرى أن القانون 44/2017 لم يعط اللبنانيين المقيمين في الخارج حق الاقتراع للنواب الـ128، ولا يوجد أي مستند قانوني يجيز لهم بهذا الحقّ. فالمادة الثالثة في نصّ القانون التي تتحدث عن حق الاقتراع لكل لبناني أو لبنانية أكمل السن المحددة في الدستور سواء أكان مقيماً أم غير مقيم على الأراضي اللبنانية، هي مادة ملحقة بمواد الفصل 11 التي تسهب في شرح آلية اقتراع غير المقيمين على الأراضي اللبنانية.
وتحدد المادة 118 الاقتراع في الخارج على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة بما يؤدي إلى انتخاب نواب المقاعد الستة كما نصت المادة 122.
وبحسب شمس الدين، فإن الطريقة التي اقترع بها المغتربون في الانتخابات الأخيرة خاطئة، خصوصاً أن القانون الحالي ألغى قانون الـ2008 الذي أعطى غير المقيمين حق الاقتراع في لبنان في الدورة التي تلي دورة 2009، إلا أن ذلك لم ينفذ لأنه تم التمديد للمجلس النيابي مرتين قبل إقرار قانون انتخاب جديد. وعليه، «لا سند قانونياً يمنح غير المقيمين حقّ الاقتراع في لبنان سوى في حال إضفاء تعديلات على القانون تعطيهم هذا الحق».
أما وزير الداخلية السابق زياد بارود، فيشير إلى أنه يؤيد تعليق وإلغاء المقاعد الستة المستحدثة في الخارج لأنها «تقليص للتمثيل وحصر تأثير المغتربين بـ 6 مقاعد من أصل 134». وعن الجدل القائم حول حق غير المقيم في الاقتراع من عدمه، يلفت بارود إلى أن «المادة 3 تعطي الحق للمغتربين في الاقتراع ويمكن الاستناد إليها كمادة وحيدة في القانون. ولا مشكلة في ضمان هذا الحق إلا إذا أُريد تسيس الموضوع». فالدراسات تؤكد هجرة آلاف اللبنانيين في العامين الأخيرين، و«غالبية هؤلاء غاضبون ومستاؤون من السلطة الحاكمة ويريدون التعبير عن رأيهم في الصناديق، وهو ما من شأنه التأثير في نتيجة الانتخابات».
لا مساواة في حق الاقتراع
ما سبق يدخل في الشق القانوني البحت المتعلق بأصول النص، لكن مع طرح اقتراع المغتربين، تبرز مشكلة أساسية تتعلق بالمساواة ترشيحاً وانتخاباً. فهناك عدد من الناخبين غير المقيمين لن يتمكنوا من الاقتراع أو التنافس انتخابياً إذا ما أُبقي على المقاعد الستة لأنهم ينتمون إلى حزب الله أو يؤيدونه، لكنهم يقيمون في دول تدرج الحزب على قوائم الإرهاب وتحدّ من نشاط أنصاره وتهددهم، ما يعني عدم قدرة الحزب على اعتماد مرشحين أو القيام بحملات انتخابية شأنه شأن الأحزاب الأخرى، ما يمس بالعدالة الانتخابية. ويقول النائب علي فياض في هذا السياق إن هذا النقاش جرى تداوله داخل اللجنة النيابية، «فكل عملية انتخاب تستند إلى مبدأ لا تستقيم من دونه اسمه تكافؤ الفرص، وهو غير متوافر اليوم لناحية حظر حزب الله في بعض الدول وممارسة التضييق عليه في دول أخرى، مما يجعل من عملية الانتخاب مشوبة بعيب جوهري».
لكن، ألا ينطبق الأمر نفسه على انتخابات 2018 التي شارك فيها المغتربون؟ «يومها تجاوزنا الاعتبارات المانعة بعد إصرار الكتل المسيحية على الموضوع، فضلاً عن أن الوضع ازداد تعقيداً خلال 4 سنوات. فعلى سبيل المثال أصدر مجلس النواب الألماني أخيراً قراراً بحظر أي نشاط لحزب الله، علماً أن قسماً كبيراً من أبناء الجالية الكبيرة في ألمانيا مؤيد، بالتالي سيؤثر هذا الوضع المستجد في سلوك الناخبين». أضف إلى ذلك أن الأمر لم يعد حكراً على الحزب فقط، بل «بدأ موضوع العقوبات يتوسع ويطال حلفاء سيتأثرون هم أيضاً بالتضييق عليهم وعلى مؤيديهم وعلى الحملات الانتخابية». ويفترض أن تُطرح هذه المشكلة في جلسة الهيئة العامة لاتخاذ قرار بشأنها.
يبقى أن حُلم البطاقة الممغنطة والميغاسنتر لتمكين كل ناخب من الاقتراع في مكان سكنه، صعب المنال، وقد تركت اللجنة النيابية للحكومة أن تُقدّر إمكاناتها مع الأخذ في الاعتبار المهل القانونية، وإن يكن التوجه العام هو تعليق العمل بالبطاقة والميغاسنتر اللذين يحتاجان إلى مراسيم لاعتمادهما. والخلاصة عودة إلى ظروف انتخابات عام 2018!
2.5 في المئة فقط من المغتربين اقترعوا
82 ألفاً و965 هو عدد غير المقيمين المسجلين في قوائم انتخاب عام 2018 من أصل 800 ألف مغترب. اقترع منهم 46799، أي بنسبة 56.4 في المئة أي ما يشكل 2.5 في المئة من مجموع المقترعين. لم يكن لهذه النسبة الضئيلة أي تأثير في نتائج الانتخابات في لبنان، وثمة من ينطلق من هذه الأرقام ليقلّل من شأن تعويل «المجتمع المدني» على تبدّل مزاج المقترعين غير المقيمين وقدرتهم على قلب النتائج، خصوصاً أن تقريب موعد الانتخابات لم يمنح هذه المجموعات المجال لحشد المغتربين وحثّهم على التسجيل. فيما ترى هذه المجموعات أن «غالبية المغتربين كفروا بالسلطة السياسية ويريدون التغيير أكثر منا، وما سيحصل سيفاجئهم». علماً أن توزيع المقترعين خلال أيار 2018 كما نشرته «الدولية للمعلومات»، أخيراً، جاء مخيباً للآمال على صعيد انتخاب لوائح «المجتمع المدني» أو من يُحسبون عليهم واقتصرت على نحو ألفيّ صوت موزعة على الدوائر الـ15.
10 آلاف محرومون من التصويت
معضلة جديدة تُضاف إلى المشكلات التي تعترض قانون الانتخاب تتعلّق بتقديم موعد الانتخابات إلى 27 آذار 2022. فوفق المادة 35، تُجمّد القائمة الانتخابية في الثلاثين من آذار من كل سنة وتبقى نافذة حتى الثلاثين من آذار من السنة التي تليها. ما يعني أن إجراء الانتخابات في 27 آذار، أي قبل 3 أيام من موعد إصدار لوائح الشطب الجديدة لإضافتها على القوائم الانتخابية، سيجري على أساس لوائح الشطب الصادرة في 30 آذار 2021. وهو ما سيؤدي إلى حرمان نحو 10 آلاف لبناني من حق الاقتراع عقب بلوغهم السنّ القانونية. وحلّ هذه المشكلة، بحسب الخبراء، يكون إما بتعديل القانون وتبديل تاريخ تجميد القوائم، أو بتحديد موعد آخر لانتخابات بعد انقضاء 30 آذار. ويرى البعض أن تاريخ 8 أيار هو الأنسب إذ يصادف بين انتهاء شهر رمضان وقبل انتهاء ولاية المجلس النيابي في 21 أيار. وعليه، يبحث المسؤولون احتمال اعتماد هذا التاريخ بدل 27 آذار.