طوني كرم
طرحت مجموعة "نختار الحياة" وثيقة شرق أوسطية حول "خيارات متجدّدة لمسيحيي الشرق الأوسط"، الرافضين حلف الاقليات، والمؤمنين بأن طاقة الحياة أقوى وأبقى من ثقافة الموت، في حفل أقيم في كنيسة مار الياس في أنطلياس بحضور السفير البابوي المطران جوزف سبيتري، وحشد من الأكاديميات والأكاديميين ورجال دين مسيحيين ومسلمين، لتفتح بذلك النقاش حول أهمية الدور الذي يلعبه المسيحيون بعيداً من إستجداء الحمايات التي تقدمها الأنظمة القمعية والتوتاليتاريّة أكانت إيديولوجيّة أو علمانية أو دينية، إلى الاقليات (المسيحيّة) التي تريد المواطنة الفاعلة التي تتجسد في الدولة المدنية.
وخلال الحفل، قدّم الخبير في السياسات العامة زياد الصايغ مقاربة حول الخلفية والأهداف، وشدد على "أننا لسنا أقليّات، ونرفض حلف الأقليّات، واستدعاء الحمايات. نحن ننتمي إلى أكثريّة عربيّة تتطلّع إلى دولة مدنيّة ركنها المواطنة الفاعلة التي تصون التنوّع وتعتني بالتعدُّديّة".
وأضاءت رئيسة "شركة الكنائس الإنجيلية المصلحة في العالم" القسيسة نجلا قصّاب على المضامين والتوجيهات، ولفتت إلى أن الوثيقة "تدعونا للتفكير والتمييز بما يريده الله منا في هذه المنطقة الآن وهنا والانخراط في اختيار الحياة انتصاراً على الموت والاحباط والدمار والفقر والتهجير"، مؤكدة أن "الحضور المسيحيّ ليس وجوداً فحسب، بل انكباباً على خدمة كلّ إنسان، وعلى المحبّة المتفانية...
واختار البروفسور أسعد قطان في كلمته حول الخلاصات والخيارات، من الوثيقة بعض فقراتها المفاتيح، حيث "لم تسفر ثورات الربيع العربيّ حتّى اليوم عن قيام أنظمة سياسيّة ديمقراطيّة". لكنّها "طالبت بإعادة مفهوم المواطنة إلى قلب الممارسة السياسيّة"، و"نحن اليوم أمام إعادة تشكُّل لحاضر هذه المنطقة. فالقديم قاد إلى الانفجار، ولكنّ الجديد لم يتبلور بعد"، مؤكداً أن "مسيحيّي الشرق الأوسط مطالبون مع إخوتهم المسلمين، ومع شركائهم الآخرين، بالذهاب إلى عمق بناء الدولة المدنيّة حيث تطبَّق المواطنة من غير تمييز أو استثناء"...
وعلى هامش اللقاء، شدد المطران بولس صيّاح على أهمية صدور وثيقة تعبّر عن موقف المسيحيين في الشرق ودورهم، والتي لا تتعارض مع طروحات الكنيسة ممثلة في البطريرك بشارة الراعي.
وأشار القس الدكتور متري الراهب، رئيس جامعة دار الكلمة في فلسطين، إلى أنه شارك إلى جانب مجموعة من المفكرين واللاهوتيين المستقلين في الشرق الأوسط، في صياغة الوثيقة التي هي بمثابة صرخة أمل ورجاء في واقع مظلم يمر به الشرق الأوسط، تمهيداً لمناقشتها مع الكنائس والأحزاب السياسيّة ومع المجتمع المدني، لأن جوهر الوثيقة هو التشديد على مفهوم المواطنة القائمة على المساواة والإنفتاح على الآخر، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ مستقبل المنطقة بحاجة إلى تضافر كافة الجهود، لأن لا مستقبل إلا مع الآخر.
بدوره، رأى الشيخ حسين شحادة، أمين عام ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار، أن لقاء "نختار الحياة" اليوم، والتوقيع على وثيقته، يأتي تجسيداً لأبرز العناوين التي طرحت في وثيقة الأخوة والإنسانيّة في أبوظبي. وتساءل: "إلى متى؟ إلى متى يعيش المسيحي في هذا المشرق كما لو أنه أقلية؟ إلى متى يعيش المسيحي في هذا المشرق كما لو أنه مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة؟". وقال: "سوف تبقى جذور هذه المشكلة مستمرة حتى يستيقظ الإجتماع العربي والإسلامي على حقيقة أنه ليس من الجائز أن ينظر إلى المسيحي بذهنية التكفير، وليس من الجائز أن ينظر إلى هذا المسيحي بذهنية الإلغاء والإقصاء.
ونوّه الشيخ فاضل سليم، ممثل شيخ العقل نعيم حسن، بالعمل الجبار والوثيقة المهمة التي أعدتها مجموعة من الشخصيات المسيحيّة، وقال: "كمذهب إسلامي توحيدي، نود أن نعيش مع أي إنسان من منطلق الأخوة الإنسانية، هذه الأخوة هي التي تجمعنا، وبالتالي كلنا أمل بأن نحيا حياة كريمة، تسودها العدالة والمساواة وفيها دولة المواطنة، وفيها الإبتعاد عن أي فكرٍ عنفي تطرفي، لا يدعو إلّا إلى القتل والتشرذم".
وفي سياق متصل، إعتبر الوزير السابق طارق متري أنّها وثيقة مضيئة في ظلمات واقعنا العربي، متحررة من الخوف، وتنظر إلى الأبعد، مشدداً على أنه لا حلّ لمشكلة المسيحيين بمعزل عن مشاكل المسلمين، لأن مصائرهم مترابطة.
بدوره، أشار الدكتور أنطوان قربان، أحد المشاركين في الأعمال التحضيرية التي سبقت إطلاق الوثيقة، إلى أنّ الهدف من هذه المبادرة فصل الولاء السياسي والحزبي عن الهوية المسيحية، كون الوجود المسيحي في الشرق العربي ولاؤه للوطن. ولفت إلى أن هذا الإجتماع ترجمة على الأرض لوثيقة أبو ظبي، التي بدورها ترجمة لوثيقة الأزهر 2017، للتوجه إلى كافة المواطنين بالقول: أنت أخي.