في ظل الأزمة الخانقة التي يمر بها القطاع الطبي في لبنان، لا سيما الأزمة المتعلقة باستيراد المستلزمات الطبية على انواعها ووصول هذا البلد إلى أبواب الكارثة الصحية، حيث أن العديد من العمليات والعلاجات يتم تأجيلها من قبل المستشفيات والمراكز الطبية لعدم قدرة الشركات المستوردة على تلبية طلباتها، حاورت «الجمهورية» رئيسة نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية السيدة سلمى سابا عاصي.
للوقوف على أراء الشركات المستوردة والحلول التي تقترحها بغية الخروج من الأزمة الحالية، ردت السيدة عاصي على كل الإستفسارات.
1 - سمعنا منكم انه ليس بإمكانكم بعد اليوم بيع المستلزمات الطبية على السعر المدعوم. لماذا؟
الخلاف أولا وأخيرا هو على تفسير كلمة «مدعوم». فمن ناحية، الشركات تعتبر البضائع المدعومة هي التي حَوَّل ثمنها المصرف المركزي الى الخارج، وليست الاقوال او الوعود او حتى التعهدات التي فقدت مصداقيتها، خاصة ان العديد من الملفات رُفضت من المركزي بعد ان تم بيعها على السعر المدعوم.
ومن ناحية اخرى، فإنّ كلمة «مدعوم» او «مدفوع» تعني ثمن البضائع في بلد المنشأ فقط! من دون الاخذ بعين الاعتبار الأكلاف الاخرى التي يتكبدها المستورد من اجل شحن، وتخليص، وتوريد، وتركيب وتمويل وغيرها من الأكلاف المباشرة وغير المباشرة اي ما يعرف بالـ direct cost و operating cost اي الكلف التشغيلية.
نعم نحن ملتزمون بسعر الدعم الاساس ولكن مع اضافة الكلف المذكورة اعلاه غيرالمدعومة، ويتم توفيرها بمعظمها بالعملة الصعبة او fresh money.
لذلك، لا تستطيع الشركات اليوم البيع على السعر المدعوم لأنه وبكل بساطة، تطلب منها الدولة أن تبيع بخسارة… ولشرح وجهة نظر الشركات المستوردة، التي هي وجهة نظر مُحِقة وموثّقة علمياً وعملياً، أعطي المثل الآتي: فلنأخذ مثلاً جهازاً طبياً مستورداً من الخارج يبلغ ثمنه 1000 دولار.
بحسب آلية الدعم الحالية يبلغ ثمن هذا الجهاز في السوق اللبناني 1,500,000 ليرة لبنانية. لكن المشكلة تكمن في أن الدولة لا تأخذ في عين الاعتبار الكلفات الأخرى المتوجب دفعها بالعملة الصعبة، مثل كلفة الشحن التي تساوي 10 % تقريباً، والكلفات الأخرى التي تساوي 20 % تقريباً (تخليص جمركي ودعم تقني ومحروقات وغيرها). فمجموع تكاليف شراء هذا الجهاز المتوجب على الشركات يساوي فعلياً 7,000,000 ليرة لبنانية. أمّا بحسب الدولة اللبنانية فهو يساوي 1,500,000 ليرة لبنانية. بمعنى آخر يُطلب من الشركات المستوردة أن تبيع بخسارة، وهذا الأمر ضدّ المنطق، ونتيجة هذه المبررات العملية والحسابية البحتة، تعجز الشركات اليوم عن الاستيراد وتلبية حاجة السوق.
2 - تِبعاً للفكرة المُستخلصة من هذا الكلام، ألا توجد معايير علمية ومحاسبية لحساب الكلفة؟ وبالتالي ما هي الطريقة التي تعتمدون عليها لاحتساب ميزانية الشركات وتصفية حساباتها علماً أنّكم اكدتم عدم تمكنكم من تحديد سعر الكلفة في حال رفض المركزي الملفات؟
هذا السؤال يذكّرني بسؤال طرحه علينا أحد نواب حاكم مصرف لبنان حيث سألنا في أحد الاجتماعات كيف بإمكان شركات استيراد الأجهزة والمستلزمات الطبية إقفال ميزانياتها ان كانت تجهل قيمة الكلفة الأساسية؟ وكيف يقبل المدققون الماليون المعتمدون بذلك؟ وها أنا أجيب اليوم على هذا السؤال مرّة أخرى: ليس بإمكاننا البيع لأننا نجهل الكلفة الفعلية للبضاعة التي نبيعها. فهذه مخالفة صارخة لقانون التجارة ولقواعد المحاسبة وللمنطق. وبالتالي، لسنا قادرين فعلياً على إقفال ميزانيات شركاتنا.
3 - ما هو تعليقكم على الاتهامات الموجهة ضدكم حول غلاء أسعاركم؟
أشكرك مرة جديدة لطرحك هذا السؤال. ما من مشكلة حيال الأسعار نهائياً، لأنها بقيت بالدولار الأميريكي كما كانت في السنوات الماضية، الا ان الليرة اللبنانية هي التي تغيرت، بل انهارت للأسف. فالمشكلة ليست لدى الشركات المستوردة، بل هي تكمن في الاقتصاد اللبناني وفي العملة الوطنية، وهي لدى الدولة اللبنانية.
وهذا الأمر لا قدرة للشركات اطلاقاً على التحكّم به. وأضيف في هذا الإطار معلومة بالغة الأهمية، وهي أنه وعلى رغم اعلان آلية الأسعار الجديدة من قبل الوزارة مؤخراً، والتي تعاونّا مع الوزارة لوضعها، الا ان المشكلة لم تكن في الاسعار اصلا بل في سعر الصرف ! اذ ان الاسعار لطالما كانت محددة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بجداول اسعار واضحة ومنذ سنوات عديدة وتتبعه وزارة الصحة! ولطالما التزمت الشركات المستوردة كافة هذه الجداول ومن دون استثناء وكان التسعير وفقاً له. اذاً، إنّ اتهام الشركات غير دقيق وهذا افتراء بليغ وهروب الى الأمام وهجوم موجّه ضدّ الحلقة الأضعف غير المسؤولة عن تدهور سعر الصرف.
4 - وسط هذه الصعوبات، ما هي الحلول الممكن اعتمادها؟
انّ الاولوية هي لعودة عجلة الاستيراد من اجل توفير البضائع في السوق من دون اي عراقيل من قبل الدولة، خاصة بحجة الدعم او آلية التسعير. لذلك، إنّ الحل واضح وعملي للغاية: نحن نطلب من مصرف لبنان، حرصاً منّا على استمرارية القطاع الخاص وعلى استئناف العمل وبُغية التقليل من حدة الأزمة، ان يعطي جوابا سريعا وواضحا حول التاريخ الذي سيدفع فيه قيمة جميع الملفات المعلَّقة والمرتبطة بالمستلزمات الطبية التي تم بيعها بالسعر المدعوم. كما وتناشده بإلحاح ان يعطي ايضاً إجابة صريحة حول ما إذا كان سيمنح الموافقة المسبقة أم لا.
وفي نفس السياق، تطلب النقابة من وزارة الصحة إصدار قرار يسمح للشركات باستيراد بضاعة غير مدعومة وتأمينها للسوق المحلي، على ان تقوم الوزارة بتحديد آلية دعم لمساعدة المرضى الذين يحتاجون فعلاً إليها.