جهاد نافع - الديار
باهتمام بالغ تابع اللبنانيون مشهد قوافل صهاريج المازوت التي عبرت الحدود السورية - اللبنانية، منهم من حزن واعرب عن هذا الحزن معتبرا انه انتهاك للسيادة اللبنانية، ومنهم من فرح واعرب عن هذا الفرح كاشفا انه خرق للحصار الاميركي على لبنان وانتصار للسيادة. وفي الشمال، خاصة في طرابلس وعكار والمنية والضنية، انقسمت المواقف بحدة، كأنقسام الرأي والفكر والموقف حول كثير من القضايا الحساسة والحيوية.
والانقسام تراوح بين حزين وسعيد حيال مادة استراتيجية تشكل عصب الحياة وشريانها.
فالشمال برمته يعاني من شح المازوت، ومن غلاء سعره، حيث يمكن تأمينه عبر السوق السوداء بسعر يتراوح بين الـ٢٥٠ الف الى ٣٠٠ الف للغالون الواحد منه، مما تسبب بارتفاع فاتورة الاشتراك بالكهرباء الى مليون ليرة للـ ٥ أمبير، وكانت حجة لرفع سلع استهلاكية عديدة.
شح او فقدان المازوت وفق السعر الرسمي، وتوفره في السوق السوداء بالكميات التي يحتاجها اي أمرىء يترك علامات استفهام كبيرة. فمستشفيات الشمال شكت من شح المازوت، وبعضها كشف عن توفر كميات كبيرة في منشآت مصفاة البداوي ويمتنعون عن التسليم، الافران على شفير التوقف، ومولدات الاشتراك بعضها اطفأت انوارها الى غير رجعة، او لجأت الى التقنين القاسي مع رفع سقف الفاتورة، وغرقت بلدات وقرى في عكار والمنية والضنية واحياء طرابلسية بالعتمة.
حين وصلت قوافل الصهاريج الايرانية الى لبنان، استبشرت شرائح شعبية شمالية خيرا بها،وعوّلت عليها لخفض فاتورة الاشتراك بالمولدات التي خنقت عائلات محدودة الدخل، فاضطرت مؤخرا الى قطع الاشتراك واللجوء الى الشمع، كما عوّل اصحاب مؤسسات ومصالح حيوية على هذا المازوت لتأمين استمرارية العمل.
لم يخف الكثير من ابناء طرابلس وعكار ترحيبهم بوصول المازوت الايراني، فقد لاحت بالنسبة اليهم تباشير الانفراجات، وهذا ما أشار اليها اعضاء في نقابة اصحاب افران الشمال الذين اعتبروا ان وصول المازوت الايراني خطوة انقاذية لقطاع حيوي في طرابلس والشمال كان مهددا بالتوقف عن العمل،وان الوفاء يقتضي التوجه بالشكر لقيادة حزب الله ولايران السباقة دائما في كسر الحصار على بلادنا، مستذكرين بواخر النفط التي وصلت الى ميناء طرابلس في ثمانينيات القرن الماضي التي كسرت «الحصار الاسرائيلي» إبان الاجتياح الصهيوني للبنان.
وتشير مصادر النقابة الى ان اكثر من ثمانين فرنا تقدموا بطلبات المازوت الايراني.
لم يقتصر الامر على الافران، فدور العجزة والايتام في طرابلس وعكار تقدمت بدورها بطلبات للحصول على المازوت الايراني، كما رحب صيادو الاسماك في طرابلس وعكار بما وصفوه خطوة جبارة شاكرين « سيد الوعد الصادق الذي أقدم حين أحجم الآخرون».
اما اصحاب المولدات، فيتابعون آلية الحصول على حاجاتهم من المازوت الايراني لانارة البلدات والقرى ولخفض فواتير الاشتراك الخانقة.
ففي بلدة فنيدق، وهي من كبريات البلدات العكارية، تداعت البلدية واصحاب المولدات والمستوصفات والمصالح والمشايخ والمخاتير والفاعليات الى اجتماع تدارسوا فيه وضع الاشتراكات المتوقفة عن العمل منذ اكثر من خمسة عشر يوما بسبب فقدان مادة المازوت وصعوبة الحصول عليها لارتفاع اسعارها واحتكارها، وبسبب اعمال التشبيح التي تحصل على صهاريج المحروقات على الطرقات بين طرابلس وعكار.
وناقش المجتمعون آلية الاستفادة من المبادرة التي اطلقها ألامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فيما يتعلق بمادة المازوت وتقديمه الى كافة المناطق اللبنانية، وتم رفع طلب بهذا الخصوص وتعبئة الاستمارة عبر الموقع الخاص بإسم بلدية فنيدق.
وعقب الاجتماع تحدث رئيس بلدية فنيدق الشيخ سميح عبد الحي عن ازمة المازوت وانعكاسها السلبي على كافة القطاعات الحيوية في البلدة وعن انقطاع التيار الكهربائي وما يخلفه من ضرر كبير على الاهالي والمرضى، لا سيما المستوصفات والصيدليات وبرادات الخضار والفواكه، والمصالح المهمة التي تعتبر الشريان الحيوي في البلدة، فضلا عن الخطر الذي يُحدق بالثروة الحرجية، خصوصا اننا على ابواب فصل الشتاء وحاجة الناس الى التدفئة.
ودعا الى توحيد تسعيرة المازوت بما يتناسب مع وضع الأهالي معيشيا وعدم تركهم لوحدهم في هذه المواجهة.
ايضا بادرت بلديات في قرى وبلدات سهل عكار والدريب والجومة والشفت في عكار الى تقديم طلبات للحصول على المازوت ولاحقا على مادة البنزين الايراني.
هذا التجاوب غير المسبوق واللافت مع مبادرة السيد حسن نصر الله، اثار قلق اوساط تيارات وقوى سياسية لا تزال تراهن على ادوات خارجية لاحباط المبادرة الانقاذية. وكشفت مصادر اهلية محلية في طرابلس وعكار ان بيئة تيار المستقبل هي اكثر المحبطين جراء هذه المبادرة التي أحيطت بالتجاوب السريع، ولفتت هذه المصادر الى ان توجيهات تبلغتها منسقيات التيار الازرق، وبلغتها بدورها لانصارهم قضت برفض المازوت والبنزين الايراني، والعمل على عرقلة مبادرة السيد حسن نصر الله ومنع الاهالي، خاصة اصحاب المولدات، من التجاوب مع المبادرة.
وذكرت مصادر موثوقة ان اهالي بلدات عكارية دعوا اصحاب مولدات، ودعوا بلديات مُشرفة على مولدات متوقفة عن العمل او تمارس تقنين شديد بانارة لساعتين فقط من ٢٤ ساعة الى الاتصال بالارقام التي اعلنها حزب الله للحصول على المازوت، فكان الجواب الصادم: لا نريد مازوت حزب الله.
وشكلت هذه المواقف - وهي نسبة ضئيلة في عكار وطرابلس - انعكاسا لأمرين لا ثالث لهما:
اولا: التزام بيئة «المستقبل» بتوجيهات قيادة «التيار الازرق» الذي لا يملك بديلا سوى الاستمرار باغراق الشمال بالعتمة واذلال الناس.
ثانيا: التزام قوى ظلامية وتكفيرية وقوى متطرفة رفض مبادرة السيد حسن نصر الله.
وفي كل الاحوال تقول المصادر، ان هؤلاء باتوا لا يمثلون الا نسبة ضئيلة لا تتجاوز الواحد بالمئة، بعد التراجع الشعبي لـ «التيار الازرق»، لان الناس كشفت هشاشة الوعود التي اطلقت في المواسم الانتخابية وذهبت مع الرياح، ولان الشماليين، وخاصة في طرابلس وعكار، تضرروا من تلك الوعود ولم يحظوا برعاية من ركضوا امامهم وتسابقوا الى مهرجاناتهم وتضامنوا معهم فلم يحصدوا الا الرياح العاتية التي اوصلت البلاد الى حافة الجحيم.