نبيه البرجي - الديار
الحكومة قامت (حقاً قامت ... ؟). متى تقوم الدولة ؟الدولة المستحيلة اذا كنا نراهن على دولة القانون، ودولة العدالة. لا معجزة الهية في هذا الزمن لكي يتحول أكلة عظام البشر، بين ليلة وضحاها، الى ملائكة.
هذه استراتيجية القوى الكبرى. لمن قرأ ما وراء اتفاقية سايكس ـ بيكو، وحيث توزيع الدول كما توزيع أطباق الحلوى، لتبقى رهينة التوتاليتاريات القبلية والطائفة، والى الأبد !
لم يكن وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا يتوقعان اعلان أميركا من ضفاف السويس (1956) غروب الأمبراطوريتين، لتحل محلهما عبر «مبدأ ايزنهاور»، وبذريعة ملء الفراغ في المنطقة بأكياس الطحين (لمن يذكر النقطة الرابعة).
كيف يمكن لأولئك الحكام، بالوجوه العرجاء، وبالأدمغة القبلية، بناء دول، أو بناء مجتمعات، قابلة للبقاء، ناهيك بإقامة منظومة اقليمية، بأبعاد استراتيجية، وتدرك كيف تتفاعل مع ثقافة العصر ؟
أخذنا علماً في الساعات التي سبقت ظهور الدخان الأبيض أن الستاتيكو الدولي يمنع، الى اشعار آخر، زوال الطبقة السياسية في لبنان. سفير أوروبي عوتب من قبل وزير سابق، من دعاة التغيير، بمؤازرة غربية بطبيعة الحال. الاجابة كانت صادمة «أخجل أن أقول لك ليس هناك من شيء يدعى الشعب اللبناني ليكون التغيير» !
قال « أكثر من مرة اتصلنا بقادة الشوارع، وبحملة الشعارات. سألناهم كيف يرون النظام البديل، وهل تمكنوا من بلورة رؤية (أو رؤيا) لميكانيكية التغيير. التصورات الضبابية التي طرحوها جعلتنا على يقين بأن سقوط، أو اسقاط، الأوليغارشيا الحاكمة، يعني دخول لبنان في فوضى سياسية، وربما في فوضى دموية، مريعة».
لا خيار أمام اللبنانيين، كركام بشري، سوى المساكنة المخملية مع هذه الحكومة التي اختار ملوك الطوائف أعضاءها كما يختارون أكياس البطاطا، دون المس ببعض الوجوه التي لا غبار على تميزها المهني والأخلاقي. ثمة آخرون لا يثيرون السخرية فحسب. الريبة أيضاً...
ما علينا الا الأخذ بالرأي القائل اننا عوقبنا منذ أن عوقب آدم، وهبط في هذه المنطقة بالذات، كما لو أم حجر قابيل ظل يتدحرج عبر الأزمنة الى أن استقر في عقر دارنا.
المنطقة بقضها وقضيضها، وقد حولتها الأنظمة الغراء الى مستودع للخردة البشرية، ويدار من الأيدي الغليظة في الطبقة العليا من الكرة الأرضية. لعل الذي يثير الصدمة أن بعض «الثوريين»لا يدعون الى زلزال اجتماعي يفضي الى احداث تغيير عاصف في لبنان، وغير لبنان، بل (ياللمهزلة !!) ابدال الوصاية الأميركية بالوصاية الصينية.
من قال إن التنين أقل جشعاً، وأقل قدرة على التغلغل في عظامنا، من النسر الأصلع الذي رفضه بنيامين فرنكلين، أحد كبار واضعي الدستور الأميركي، ومال الى الديك الرومي، وقد وصفه، في رسالة الى ابنته، بـ»الطائر المحترم، والشجاع، اضافة الى كونه من سكان أميركا الأصليين» ؟
تشكيل الحكومة، بعد أشهر من الدوران في الحلقة المفرغة ليس من صنعنا. هو نتاج تقاطع المصالح الدولية، والاقليمية، المتناقضة على ذلك النحو العجيب. من هنا كان تساؤل الأوساط الديبلوماسية ما اذا كان الذي حدث يشير الى أن مسلسل التسويات في المنطقة يبدأ بلبنان، لا باليمن، كما كان الأوروبيون ينتظرون اذا ما عادت ادارة جو بايدن الى اتفاق فيينا، مع ما لذلك من تأثير في مسار الصراع بين ضفتي الخليج، بتداعياته الدرامية على سائر بلدان المنطقة.
التسويات التي تكرس الستاتيكو. لا تغيير في الأفق. أصحاب العروش، وسواء كانت من الذهب أم كانت من التنك، باقون، وان خلافاً لجدلية الأزمنة، حتى يتبلور المشهد من الباسفيك الى أعالي آسيا، وحيث الصراع المرتقب بين الأمبرطوريات.
هل ننتظر الحرب العالمية الثالثة، وهي الحرب المستحيلة، بوجود الترسانات النووية التي تعيد الكرة الأرضية الى الله جثة هامدة، أم ننتظر التسوية الكبرى (ودائماً فوق ظهورنا) وكما حدث غداة الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية ؟
منذ سقوط كابول في يد الملاً هبة الله أخوندزاده، والتعليقات الأميركية حول «وجودنا في الشرق الأوسط». هل المشكلة بوجود الأميركيين أم بوجودنا نحن، بصراعاتنا العبثية، بل وبصراعاتنا القبلية، والطائفية، وحيث الاقامة على مسافة هائلة من القرن، ان لم يكن على مسافة هائلة من الزمن ؟
حتى ان تبدلت الوجوه، وتبدلت الأنظمة. مجتمعات المنطقة، بما في ذلك المجتمع اللبناني، تعاني من أزمات سوسيولوجية (بنيوية) قاتلة. هذا قضاؤنا، وهذا قدرنا. هيرودوت تنبأ لنا، قبل ظهور السيد المسيح بخمسة قرون، أن نبقى على خط الزلازل. ضحايا الزلازل ...
هل نملك، في لبنان، الا أن نسلّم أمرنا الى أولياء أمرنا ليسلّمونا كجثث، في أحسن الأحوال كهياكل عظمية، الى صاحب الجلالة ... صندوق النقد الدولي ؟!