يمنى المقداد - الديار
يتصاعد عدّاد النقل في لبنان تدريجيّا كما سواه، إنّما اليوم مع اقتراب رفع الدعم عن المحروقات نهاية الشهر الجاري، لم نعد نتحدّث عن رقم تحتمله طاقة اللبناني، بل عن زيادة مرعبة.
فالتعرفة الرسميّة للنقل تبلغ 6 آلاف ليرة، إلاأنّ أحدا لم يلتزم بها منذ صدورها، فيما التعرفة المتداولة فلا أفق لها إذ يحدّدها ضميرالسائق، أمّا مع بداية الأول من تشرين الأول، فهناك خياران، إمّا أن تكون التعرفة 10 آلاف ليرة، أو أن تقفز إلى 25 ألفا وربّما 50 ألف ليرة! علما أنّ التعرفة اليوم تغرق في بحر من فوضى التسعيرات.
في مؤتمر صحافي مؤخرا، أشار رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس إلى أن «الاتفاق تم مع رئيس حكومة تصريف الاعمال وقضى بتأمين صفيحة بنزين للسيارة العمومية الصغيرة، صفيحة بنزين ونصف الصفيحة لسيارات الفان، صفيحتي بنزين للباص، وذلك بسعر ضعفين ونصف مئة الف ليرة على ان تكون اجرة النقل للراكب ضعفي الاجر القديم اي عشرة آلاف ليرة لبنانية».
خطوات تنظيميّة مشروطة بدعم الدولة لقطاع النقل البري: 100000 صفيحة البنزين المدعوم، 70000 ليرة لصفيحة المازوت المدعوم للسائقين العموميين»، على أن تصدر المراسيم الخاصة بما تم الاتفاق عليه.
إعلان «النقل البري» الذي يلتمس التوقيع الحكومي قريبا، لضبط الفوضى الحاصلة فيما خصّ تعرفة «السرفيس» أو « الفان» ، إلا أنّها تبقى مقبولة ولو على مضض، ضمن بيروت وضواحيها، إنّما خارج العاصمة، فحدّث ولا حرج، عن سلب الركّاب مبالغ خيالية، إمّا بحجة طوابير المحروقات أو انقطاعها أو شرائها من السوق السوداء، علما أنّ هناك سائقين لم يتكبّدوا أيّا من هذه المعاناة، وذنبهم بحقّ الناس أقبح من أعذارهم الكاذبة.
معاناة الراكب اليوميّة: محارجات واحراجات وتفكير بترك العمل
فوضى عارمة في أسواق المرور في أجور نقل الركاب، كما هي الحال في أسواق الغذاء والماء والدواء والمحروقات وسواها، وإعادة ضبط الوضع يحتاج تسعيرة موحدّة تكون مقبولة من جميع الأطراف، لا تُشعر أيّا منهم بالغبن، أمّا العامل الذي يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية ودخله دون المليونين، فهذا لن يبارحه الغبن في كلّ أسواق العيش، وليس فقط في سوق النقل.
من النبطية إلى بيروت تستقلّ ريم ( موظفة 30 عاما) «الفان»، يوميّا، وتخبر « الديار» عن معاناتها قائلة:» أوّل ما كنا نطلع وننزل كان يكلّفنا المشوار 14 ألف ليرة باليوم، واذا سعر خاص 10 آلاف ليرة، اليوم صار بكلّف 90 ألف ليرة ومرّات أكتر، لأن كلّ حدا عم يسعّر تسعيرته الخاصة، بمعزل إنّو صار السعر الخاص مع حدا بعرفه 40 ألف ليرة قابل للزيادة حسب ما بضلّ يردّد سائق » الفان».
وتضيف: » حتى مع الزودة صرنا عم ندفع باليوم أكثر من يوميتنا، كان بدل النقل 8 آلاف ليرة وصار 16 ألف ليرة من حوالي شهرين وحتى لو زاد لـ 24 ألفا بيبقى الفرق شاسعا، لأن عم ندفع 90 ألف ليرة يوميا، وما منعرف قدي ممكن يصير بعد رفع الدعم»
وبحسرة تتابع «ريم»: «يوميا بسمع الناس بـ»الفانات» عم تشكي، وما في راكب بيطلع إلا ما يسأل قديش الأجار لأنّ ما في سعر موحّد، ومنسمع محارجات وإحراجات والدمعة بعيون الناس، عدا عن حرقة الأعصاب من الطوابير والعجقات على الطرقات والتوتر بين الناس».
ولعدم قدرة «ريم» على تحمّل تكاليف النقل الباهظة، قررت أن تعمل «عن بعد» لعدّة أيّام في الأسبوع، علّها تخفّف قليلا عن نفسها، إلا أنّها تعاني في المقابل من قطع الكهرباء ورداءة الإنترنت ومزاجيّة صاحب الإشتراك الخاص، ما يجهدها ويعيقها جدا في عملها.
أمّا قاسم ( 28 عاما- موظف) فهو شخص كثير التنقل يوميا بين عمله وبين جمعية خيرية متطوع فيها، كانت تبلغ قيمة راتبه 750 ألف ليرة، لكن اصحاب العمل رفعوه إلى مليون و300 ألف ليرة، عندما أصبحت تعرفة النقل بين الـ 15 و20 ألف ليرة، ليبقى من راتبه نحو 500 ألف ليرة كمصروف شهري، هذا عدا عن المواصلات خارج إطار العمل اليومي، ويرى قاسم أنّه بعد هذا الإرتفاع الجنوني بسعر المواصلات، «أنّ ترك العمل أفضل بكثير من العمل».
طليس: حول تعرفة النقل الجديدة: إذا تجاوز سعر صفيحة البنزين 300 الف ليرة، فربّما تصل التعرفة إلى أكثر من 25 ألف ليرة
رئيس إتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس، وعند سؤاله عن مصير الإتفاق الأخير مع الحكومة، شرح لـ» الديار»، مجريات الإتفاق الذي تمّ مع وزيري المالية والنقل والأشغال بالحسابات والأرقام، وأنّه تمّ رفع كتاب لرئيس حكومة تصريف الأعمال، لإصدار المرسوم استباقا لرفع الدعم في الثلاثين من أيلول، وأشار أنّه عندما كان سعر صفيحة البنزين بـ 42 ألف ليرة كانت تعرفة السرفيس بـ 4 آلاف ليرة، أمّا إذا تجاوز سعر الصفيحة 300 الف ليرة مع تحرير المحروقات، فربّما تصل التعرفة إلى أكثر من 25 ألف ليرة، متسائلا: «هل تستطيع الدولة أن تتحمّل تعرفة 25 ألف ليرة أو أكثر؟»، ومعتبرا أنّ هذا الأمر يقع على عاتقها وليس على عاتق النقابات.
وشدّد طليس بالتالي على ضرورة أن تسارع رئاستا الحكومة والجمهورية لإصدار مرسوم إستثنائي قبل نهاية الشهر الجاري، حتى ينفّذ ويلتزم به السائقون، أما اذا لا تريد الحكومة الإلتزام بتطبيق الإتفاق، وإصدار المرسوم، فلا بدّ أن تبلغنا هذا الأسبوع عبر بيان رسمي أنّها لا تستطيع دعم الأمر المتفق عليه، حينها سنعقد اجتماعا مع وزير النقل والأشغال لإنجاز دراسة وفقا للعناصر الـ 17 لتحديد التعرفة، أهمها أسعار المحروقات وقطع الغيار والصيانة، وستتم مراعاة السائقين والمواطنين.
أمّا حول التفلّت الحاصل في تسعير التعرفة، أكّد طليس أنّ ما يجري في قطاع النقل هو سوق سوداء تماما كسوق البنزين والمازوت والمواد الغذائية والدواء، فالتعرفة الرسميّة الصادرة منذ شهرين والمحدّدة بـ 6 آلاف ليرة، لم يلتزم بها أحد من السائقين على حدّ قوله، مبديا تفهّمه لهم، نظرا لشرائهم صفيحة البنزين من السوق السوداء بـ 300 أو 400 ألف ليرة، فالسائق لن تكفيه تعرفة الـ 6000 ليرة ليعيش، مشيرا كذلك إلى اختلاف التعرفة بين شارع وآخر ومنطقة وأخرى، ومشددا على أنّ السلطة مسؤولة عن ضبط المخالفات وليس النقابات.
فيّاض: منذ تأسيس لبنان لم نشهد مثل هذا التفلت الحاصل في قطاع النقل
بدوره اعتبر رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل مروان فياض، أن قطاع النقل اليوم هو بحالة يرثى لها من الفوضى، لافتا الى أنه منذ تأسيس لبنان لم نشهد مثل هذا التفلت الحاصل في قطاع النقل عازيا السبب إلى إهمال الحكومة اللبنانية للقطاع. وقال إن «النقابات تفاوض الحكومة منذ 3 أو 4 أشهر لإعطاء السائقين محروقات و 500 ألف ليرة بدل قطع غيار وصيانة وبطاقة تموينية، ولدينا خطة كاتحادات بعد رفع الدعم بمرحلة أولى، إنّما الدولة لم تضع خطة لقطاع النقل فهي في مكان والشعب اللبناني والسائقون في مكان آخر»، لافتا الى أنّ اللوم يقع على عاتق الدولة حيث يفترض أن يكون هناك وزارة تخطيط بالحد الأدنى.
وبالنسبة لفوضى التعرفة، لفت فيّاض إلى أنّ هناك سائقين يتقاضون من الراكب 10 آلاف ليرة وأحيانا 20 أو 25 ألف ليرة. فيما تسعيرة « الفان» يحدّدها السائق وفق مزاجه، بين 7000 أو 10000 أو 15000 أو 20000، ومن طرابلس لبيروت 35 ألف ليرة، واصفا ما يحصل «وكأنّنا مزرعة وليس دولة».
وحول الحدود التي يمكن أن تصل إليها تسعيرة النقل لا سيّما «السرفيس» رأى فيّاض أنّ المشكلة الكبيرة ستحدث في حال رفع الدعم عن المحروقات بـ 1 تشرين الأول، ولم يعط السائقون مطالبهم، فهذا سيكون كارثة على السائقين وعلى الشعب اللبناني كلّه، فالتعرفة ربّما تلامس أو تتجاوز الـ 30 وربّما 50 ألف ليرة لبنانية، أمّا في حال أعطيت المطالب النقابيّة، سيحدّد سعر «السرفيس» بـ 10 آلاف ليرة، و»الفان» 5000 ليرة. ويفترض وفق فيّاض أنّ تضع وزارة النقل التعرفة الرسمية بعد رفع الدعم يلتزم بها السائقون العموميون وقوى الأمن تطبق القانون عليهم. وفي حال أراد المواطنون تقديم أيّ شكوى يمكنهم التواصل عبر هذا الرقم:01241141.
إذا ما تمّ رفع الدعم الأيلولي عن المحروقات، من دون دعم السائقين، ستطير التعرفة كما أوراق الشجر في تشرين، وسيطير معها جزء كبير من راتب اللبناني، وستتفاقم معاناته، علما أنّ هناك مبادرة لافتة طرحها مدير عام النقل المشترك زياد نصر، في حديث تلفزيوني أوائل الشهر الماضي، لتنظيم ودعم وسائل النقل المشترك المنتشرة على الأراضي اللبنانية والتي تبلغ 6000 مركبة وآلية، إلا أنهّ طرح -على ما يبدو- لا يزال ينتظر ردّ المعنيين حتى اللحظة، والخشية أن تكون الآذان صمّاء كما العادة!