راكيل عتيّق
تعترف مصادر معارضة، أنّ الفريق السياسي الوحيد في لبنان الذي يمتلك قدرة المبادرة الآن، إن على المستوى السياسي أو المعيشي تجاه الناس، هو «حزب الله»، وترى أنّ بقية الأحزاب مجرّد «كومبارس». وفي حين تقف الدولة بمؤسساتها عاجزة عن استيعاب الأزمات المتتالية، لا بل إنّ مؤسساتها تنهار تحت وطأة هذه الأزمات، وعلى الرغم من أنّ جهات سياسية وشعبية عدة تعتبر أنّ «الحزب» هو جزء من السلطة التي أوصلت البلد الى الافلاس والانهيار والعزلة، إلّا أنّ «الحزب» يبدو أنّه قادر على امتصاص بعض تداعيات الأزمة المزمنة، حائلاً دون ان تترك انعكاسات كبيرة على موقعه لدى جمهوره.
في المقابل، يبدو أنّ بقية الأفرقاء عاجزون، فعهد الرئيس ميشال عون يعاني ويتحمّل وزر كلّ المشكلات الحاصلة، خصوصاً أمام «انكفاء» حكومة تصريف الأعمال. وقوى 14 آذار لم تنجح في لملمة أفرقائها وتوحيدهم في جبهة تطرح الحلول وتستنهص رأياً عاماً، والخلافات في التوجّهات ووجهات النظر بين أبرز قواها تطغى على توحُّدها حتى الآن. فرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري شبه غائب عن الساحة السياسية بعد اعتذاره عن التأليف، رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يعتمد البراغماتية ويدعو الى التسوية مع الفريق الحاكم بدلاً من مواجهته، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يغرّد وحيداً، رافضاً التعامل مع السلطة ومعولاً على الانتخابات النيابية المرتقبة، فيما قوى «ثورة 17 تشرين» ما زالت مبعثرة ولم تفرز قيادة أو تواصل تحرُّكاتها.
في غضون ذلك، يحاول «حزب الله» بما أمكن، الوقوف الى جانب جمهوره وبيئته، عبر الرواتب والمساعدات التي يدفعها بالدولار أو غيرها من المساعدات العينية، حتى أنّه يبادر في اتجاه كلّ فئات الشعب اللبناني. وفي حين فشلت الدولة وكلّ الاحزاب في إيجاد حلّ لأزمة المحروقات، بادر «الحزب» عملياً، واستقدم مادتي المازوت والبنزين من إيران.
بمعزل عن محدودية نتائج هذه المبادرة على مستوى الأزمة، إلّا أنّ «الحزب» يستفيد منها، ليظهر لجمهوره وللبنانيين عموماً مدى ثبات وصحة موقعه في «محور الممانعة»، وتمكُّنه من الاتكال على ايران للمساهمة في مساعدة الشعب اللبناني. وفي حين كان في إمكان «الحزب» حصر توزيع المحروقات الايرانية بجمهوره وبيئته، إلّا أنّه ينوي إفادة جميع اللبنانيين منها في كلّ المناطق. وهذا ما ترى فيه بعض الجهات «استغلالاً لمعاناة اللبنانيين ورشوتهم ببعض المحروقات على أبواب الانتخابات»، فيما يضع «حزب الله» هذه الخطوة في إطار «كسر الحصار ومنع ذلّ اللبنانيين». ويكشف نائب من «الحزب» عن أنّ «لا جديد بالنسبة الى الباخرة الاولى التي تحمل المازوت، ونحن ننتظر أن تصل، وحين تصل سنعلن آلية توزيع هذه المادة وطريقة وصولها الى مستحقيها»، مشيراً الى أنّ «كلّ التفاصيل المرتبطة بالاستفادة من هذا المازوت ستكون وفق آلية شفافة وواضحة، ستُعلن وتحدّد أولويات التوزيع ومن سيستفيد منها».
وفي سياق مبادرات «الحزب»، كان لافتاً تمدّدها ووصولها الى عكار شمالاً، عمق البيئة السنّية وقواها السياسية وأبرزها تيار «المستقبل». فبتكليف من الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وزّع رئيس حركة «الإصلاح والوحدة» الشيخ ماهر عبد الرزاق يرافقه وفد من بلديات ومخاتير المنطقة، أمس الأول، مبلغاً مالياً على ضحايا وجرحى تفجير التليل في عكار، الذي ذهب ضحيته زهاء 35 شهيداً و80 جريحاً. وقدّم نصرالله «هدية» الى أهالي الشهداء والجرحى كالآتي: 30 مليون ليرة لكلّ عائلة شهيد، و10 ملايين لكلّ جريح في التفجير، إضافةً الى مساعدات ستُتابع مع رؤساء واتحادات بلديات ومخاتير الدريب.
كذلك يحقّق «الحزب» «انتصارات معنوية»، في ظلّ الأزمات وطرق معالجتها، ويستخدم الانسحاب الاميركي من أفغانستان للقول لحلفاء واشنطن في لبنان: «أنظروا الى حلفاء أميركا في كابول وانظروا إلينا حلفاءً لإيران نستقدم المحروقات». وهو الذي لطالما دعا الى إعادة العلاقات مع سوريا والتنسيق معها، نظراً الى أهمية هذه العلاقة وارتباطها بالحاجات الاساسية الحيوية للبنان، يقول الآن: «ها هي واشنطن اعترفت بضرورة التنسيق مع سوريا لإمرار الغاز والكهرباء عبر أراضيها الى لبنان»، ويثبّت صحة وجهة نظره وموقعه، من خلال الزيارة الوزارية الرفيعة المستوى الأخيرة لدمشق، للبحث في هذا الموضوع، فضلاً عن اللقاء الرباعي الذي عُقد أمس في الأردن وضمّ الجانب السوري.
وبالتالي، في حين كان يعوّل البعض على تراجع «الحزب» ونقمة جمهوره الذي يعاني مثل كلّ مواطن لبناني من الأزمات القائمة، يبدو أنّ «الحزب» امتصّ انعكاسات هذه الأزمات، بل إنّه يثبت وجوده ويتمدّد أكثر، وسط تضعضع الأفرقاء الآخرين على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة. هذا الواقع تتيقّن له القوى السياسية المعارضة، لذلك يشدّد جعجع دائماً على أنّ «حزب الله» ودوره أساس الأزمة، كما يؤكّد أنّ ميزان القوى الأساس هو ميزان قوى الناس، فهم الوحيدون الذين يمكنهم قلب الطاولة والدفع في اتجاه التغيير المنشود، مثلما فعلوا في 14 آذار 2005 و17 تشرين الأول 2019. وهذه المرة يجب أن تكون «الثالثة ثابتة» بالنسبة الى «القوات». لذلك توجّه جعجع الى الشيعة داعياً إيّاهم الى الإقتراع في الانتخابات المقبلة ضدّ توجّه «الحزب» الذي أوصل لبنان الى «الانهيار والعزلة».
وتعترف مصادر معارضة، أنّ التغيير الدولي - الإقليمي أخيراً «لا يمكننا تفسيره وقراءته إلّا ضمن تفاهمات على مواضيع محدّدة، لبنان جزء منها، وليس بالضرورة أن تكون السعودية جزءاً منه، لكن روسيا موجودة فيه بالتأكيد». وتقول: «إنّ الضوء الأخضر الأميركي على مستوى سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان، وعبر رئاسة الجمهورية، فتح المجال لوزراء لزيارة سوريا للبحث في قضايا ومصلحة مشتركة وضرورة للبنان، أمّا الزاحفون الدائمون الى سوريا لنيل الرضى، والذين لا وجود لهم لولا وجود نظام الأسد، فوجدوا في ذلك مدخلاً ليقولوا إنّهم على حق، وإنّ حتى واشنطن خضعت لوجهة نظرهم».
وإذ تعتبر المصادر السيادية أنّ «الانسحاب من أفغانستان والاتفاقات الدولية لن يكون لها تأثير إيجابي علينا»، تذكّر أنّ «كلّ ما جنيناه من الاتفاقات الدولية والاقليمية على مدى سنوات، هو بعض الهدوء المؤقت وحروب مستمرّة». وعلى رغم ذلك، لا ترى أنّ «محور الممانعة هو الرابح والغالب، وإلّا سيكون الاتجاه الى تقسيم لبنان من ضمن تقسيم المنطقة. فإذا ربحت إيران، ستطالب مجموعات في لبنان أن تستقلّ ذاتياً مقابل أي هيمنة أو انتصار يُسجّل في خانة ايران و«حزب الله».