عماد مرمل
كلما ازدادت الهاوية التي انزلقنا اليها عمقاً واتساعاً مع مرور الوقت، تفاقمت التحدّيات والضغوط على كل الصعد وتراجعت القدرة على احتوائها. وكلما تأخّر العلاج السياسي نتيجة العجز، وحلّ مكانه المبضع الأمني لمحاولة التعويض، اشتدت عوارض الإقامة الجبرية في قعر الهاوية.
تتخبّط الدولة، بمؤسساتها المتهالكة وشعبها المنهك، في كثبان الرمال المتحركة التي تبتلع كل الإجراءات الترقيعية للسلطة في مواجهة «فيل» الازمة.
ومع غياب «إسفنجة» القرار السياسي، بفعل الشلل الذي اصاب مركز صنعه المتمثل في مجلس الوزراء، وجد الجيش نفسه هذه المرة مضطراً، ليس فقط الى التحول لقوى أمن داخلي، وإنما ايضاً لشرطة بلدية، تتولّى تنظيم شؤون محطات البنزين، قبل أن يطفح كيله ويترك امر إدارة الخراطيم لأصحاب الشأن.
وتكشف مصادر عسكرية لـ«الجمهورية»، انّ الجيش سحب عناصره من محطات البنزين، «لأنّ هذه مش شغلتنا»، مشيرة الى انّ «مكاننا الطبيعي ليس التواجد على محطات الوقود وإنما على الحدود وفي أي مكان تستوجبه الضرورات الأمنية».
وتلفت المصادر، إلى أنّ المهمة الطارئة للجيش عند المحطات استنزفت جنوده وضباطه، من خلال تفاصيل يومية مرهقة، أدّت احياناً الى احتكاكات بينهم وبين المواطنين، «وبالتالي لم يعد بمقدورنا ان نستمر في تأدية دور لا يقع اصلاً ضمن نطاق اختصاصنا».
وتوضح المصادر، انّ الجيش يعتبر انّ مهمته الاساسية أُنجزت، بعدما أدّى واجبه في مداهمة المستودعات والأماكن التي تُخزّن فيها المحروقات المحتكرة، وهو جاهز دائماً لتنفيذ اي مداهمة جديدة عند الحاجة، «اما عمل محطات البنزين فيعود الى الانتظام تدريجاً، واذا حصلت اي مشكلة تستدعي تواجدنا على الأرض، فيمكن ان نتدخّل فوراً، ولكن ليس وارداً ان يضع الجيش قوة عسكرية أمام كل محطة على امتداد الاراضي اللبنانية».
وتعليقاً على ما يتردّد هنا أو هناك من اتهام لعناصر في الجيش بتقاضي أموال في مقابل تسهيل تعبئة البنزين لبعض النافذين والمواطنين، تنفي المصادر صحة هذا الاتهام، لافتة إلى انّ العنصر لا يكون وحيداً في المهمّة، «بل يشاركه فيها آخرون من العسكر بقيادة رتيب او ضابط، إضافة إلى انّ جهاز الرقابة الداخلية في الجيش قوي».
وأبعد من «الأمن النفطي»، تؤكّد المصادر العسكرية انّ الوضع بين عنقون ومغدوشة مستتب وعاد الى طبيعته، بعد الانتشار الميداني الذي نفّذه الجيش بالترافق مع توقيفات حصلت وتحقيقات انطلقت، الى جانب المعالجة السياسية.
ولكن تطويق التوتر الجنوبي المستجد لا يخفي المخاطر المتنقلة على وقع الأحداث المتكرّرة في مناطق عدة، والتي تتشابه في ظروفها ومسبباتها وإن اختلفت ساحاتها ومسمّياتها. وتعتبر المصادر العسكرية انّ التوترات المتزايدة هي نتيجة مفاعيل الأزمة الاقتصادية، لافتة إلى انّ الفقر يولّد النقار وربما الانفجار، ما لم تحصل معالجة حقيقية لأسبابه على كل المستويات.
وتلاحظ المصادر، انّ الفقراء هم الذين يتقاتلون مع بعضهم، «وهذه الظاهرة هي أسوأ ما في المعاناة الحالية التي يرزح اللبنانيون تحت أثقالها»، مشيرة الى انّ الجيش يتحمّل جزءاً كبيراً من الأعباء الأمنية المترتبة على هذا الواقع.
وتشدّد المصادر العسكرية على أنّ المطلوب التعجيل في تشكيل الحكومة، التي هي المعنية الأساسية بالتصدّي للملفات الشائكة وضبط الأمن الاجتماعي، «بدل إبقاء المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية على تماس مباشر مع الازمة المتفاقمة والمتضررين منها»، لافتة إلى انّ تخفيف الضغوط المعيشية من شأنه ان يساهم تلقائياً في تخفيض منسوب التشنج الأمني.
اما على مستوى مناعة الجيش التي يُخشى من تراجعها تحت تأثير الانهيار، فتوضح المصادر، انّه يحاول ان يتعايش بأقل الأضرار الممكنة مع هذا الانهيار الذي أصابت تداعياته بشكل اساسي رواتب العسكريين، «علماً انّها ليست المرة الاولى التي نتعرّض فيها لمثل هذا التحدّي، إذ سبق أن واجهنا مثله عند انهيار الليرة قبل عقود، وتمكنا آنذاك من تجاوزه، ونأمل في أن نربحه مرة أخرى».
وتشير المصادر، الى انّ هناك مساعدات تصل إلى الجيش من بعض الدول الصديقة، «وللأسف أصبح مصير الدولة ككل معلّقاً على المساعدات الخارجية».