إيفا أبي حيدر
توفّر الخضار والفاكهة في كل بيت لبناني كان يُعَد من المسلمات و»تحصيل حاصل» لكنّ هذه الصورة لن تعود صالحة في القريب، فانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات شكّلا الضربة القاضية للقطاع، ناهيك عن ارتفاع أسعار البذور والاسمدة. وعليه، فإنّ الأمن الغذائي اللبناني في خطر.
رغم قساوة المشهد اليوم فنحن لا نزال نتنعّم بإنتاج زراعي حصل على دعم في بداية الموسم، أكان ذلك في البذور او الأسمدة او الاعلاف التي كانت مدعومة على سعر 3900 ليرة او المحروقات وفق سعر صرف 1500 ليرة، لكن ما ينتظرنا في الشتاء فيكون أقسى وأصعب لا بل كارثي، لأنّ المعادلة تغيّرت، فالدعم سيغيب عن كل شيء وسينتج عن ذلك تقلّص المساحات الزراعية مع ارتفاع الطلب وندرة المعروض، وستكون السوق السوداء هي الحكم بأسعار الخضار والفاكهة. أما الحلول الوحيدة المتوفرة حالياً فتتمثّل باللجوء الى الزراعة الفردية.
في هذا الإطار، يؤكد الاستشاري والخبير الزراعي مهند دباغ انه لن تكون هناك مواسم زراعية العام المقبل، لذا سنعرض لتحديات موسم الزراعات الشتوية الذي سيبدأ قريباً، وأبرزها:
أولاً: مقارنة مع العام الماضي كانت الاسمدة والادوية الزراعية مدعومة على سعر صرف 3900 ليرة، بينما اليوم رفع الدعم وأصبحت كل المستلزمات الزراعية وفق سعر الصرف في السوق السوداء.
ثانياً: في السابق كانت أسعار المحروقات مدعومة وفق سعر صرف 1500 ليرة، بينما اليوم رفع الدعم الى سعر صرف 8000 ليرة، أي بإضافة 6 مرات مقارنة مع العام الماضي، وهناك توجّه لرفع الدعم كلياً في الأسابيع المقبلة. وتؤثر تكلفة المحروقات كثيراً في الإنتاج الزراعي، أكان ذلك من حيث الري او التخزين في البرادات او النقل الى الأسواق وتوفير التبريد في صالات عرضها.
ثالثاً: إرتفاع سعر الصرف في السوق الموازي الى حدود 20 الف ليرة حالياً مقارنة بـ6000 ليرة في العام الماضي، أي أكثر بمرتين ونصف. وبالتالي، في حال قررنا اللجوء الى استيراد منتجات زراعية فإنه لن تكون لدينا القدرة على ذلك.
رابعاً: رفع الدعم عن زراعة البقوليات، أي العدس والحمص والفاصولياء... مع الإبقاء فقط على دعم زراعة القمح (أي الطحين لصناعة الخبز)، ما يعني اننا أيضا سنكون امام مشكلة إضافية في المرحلة المقبلة لتأمين الغذاء.
وبنتيجة هذه التحديات، لن تكون للمزارع القدرة على استيراد الادوية او شراء الأسمدة لاستكمال الإنتاج. وعليه، امّا سيتوقف المزارع عن الإنتاج اوانه سيزرع مساحات قليلة جداً، لأنه اذا أراد ان يزرع مساحات كبيرة فإنه لن يقوى على تحمّل كلفتها.
لذا، يمكن القول ان القطاع قادم على كارثة كبيرة ستنطلق مع بدء إنتاج البطاطا اللبنانية التي تقطف في هذه الفترة من منطقة البقاع، فالمزارعون يعتمدون كثيراً على التخزين في البرادات لإمداد السوق بالبطاطا حتى شهر آذار، لكن كيف ستخزّن البطاطا في البرادات في غياب الكهرباء؟ حتى الساعة هناك صعوبة في تأمين المازوت لتشغيل البرادات ومتى تَوفّر فكلفته ستكون باهظة، وهذا ما سينعكس ارتفاعاً في الأسعار في الفترة المقبلة لسببين: إرتفاع كلفة التخزين في البرادات (اذا توفرت) وتراجع العرض، وفي الوقت نفسه اذا تقرر استيراد البطاطا لِسَد حاجة السوق المحلي فلن يكون سعر الكيلو اقل من 20 الف ليرة لأنه يستورَد بالدولار.
وتابع دباغ: ينتج لبنان سنوياً نحو 120 الف طن من البطاطا ما بين عكار والبقاع، وإذا تمكن المزارعون من مواصلة الإنتاج هذا العام، وهذا مُستصعَب جداً، فلن يقلّ سعر الكيلو عن 15 الى 20 الفاً. فقد تكبّد المزارع خسارة كبيرة هذا العام، إذ بعدما دفع أموالاً باهظة ثمن الادوية والاسمدة اصطدم عند موسم القطاف بتَوقّف عمل البرادات بسبب غياب الكهرباء وانقطاع المازوت، فاضطر للبيع بخسارة، ونتحدث خصوصاً عن مزارعي الاجاص والتفاح، ويُخشى ان يصطدم مزارعو البطاطا بالواقع عينه.
أمّا موسم البندورة فليس بأفضل، إذ يباع الكيلو حالياً بما بين 8 و10 آلاف ليرة، وهذه نتاج موسم زرع في فصل الربيع حيث كانت أسعار المحروقات مدعومة. اما الموسم المقبل للزراعة فيبدأ في الخريف أي اعتباراً من الشهر المقبل، وهذه المرة ستكون كلفة زراعة البندورة مرتفعة جداً في غياب المدعوم ما بين محروقات وأسمدة وبذور، يُضاف اليها كلفة النيلون للخيَم الزراعية، والذي يجب تغييره سنوياً، وكل هذه الاكلاف ستحتسب بالدولار او وفق سعر صرف السوق، والمؤسف انه حتى من يملك خيمة فإنه لن يتمكّن من شراء النيلون لتغطيتها. وبالنتيجة، فإن إنتاج البندورة سيقلّ مقابل ارتفاع الطلب. وعليه، لا يمكن توقّع أسعار البندورة هذا الشتاء انما الأكيد انها ستكون 3 مرات أعلى من السعر الحالي، ما يعني أنّ الكيلو سيصل الى 30 الفاً، وبسيناريو متفائل سيكون بـ 20 الفاً. وإذا قررنا استيراد البندورة من الاردن حيث تصل كلفتها الى حوالى 60 سنتاً للكيلو، فسيكون سعرها حوالى 25 الفاً، هذا اذا وُجِد الدولار في السوق السوداء وإذا بقي سعره 20 الفاً. وسيناريو البندورة هذا يسري على كل الزراعات الشتوية، أي الخيار، الفليفلة... التي ستحلّق أسعارها. ولمن يقول انه يمكننا ان نستغني عن الزراعات الشتوية نساله ما البديل؟ البطاطا؟ البقوليات؟ الأرز؟ اللحوم؟ الحليب؟ البيض؟... فعلاً نحن في كارثة كبيرة جدا، والأسوأ ان لا أحد يَعي خطورتها ويبحث عن حلول لها.
ولدى سؤاله عن أي حلول يمكن اعتمادها لمواجهة هذه الازمة؟ يقول دباغ انّ المزارع التجاري الذي يؤمّن حاجات السوق لا يمكنه أن يفعل شيئاً، الّا في حال اتخذت الحكومة قراراً بتخصيص مبلغ معين لدعم المزارع وهذا يستحيل في هذه الظروف، ليبقى الحل الوحيد المتوفر حاليا ان يقدم كلّ فرد على الزراعة أمام منزله لتأمين اكتفائه الذاتي، فكل المؤشرات تدل الى انّ الامن الغذائي في لبنان في خطر ولا نسير باتجاه المجاعة فقط، إنما أمن الدولة في خطر، فمتى جاع الانسان يتحول الى انسان آخر حيث من المتوقع ان ترتفع وتيرة المشاكل الأمنية. وخَلصَ الى القول انّ الشتوية ستكون قاسية جداً، فكيف اذا أضفنا اليها أزمة مياه متوقعة في الأيام المقبلة؟
واعتبر دباغ ان ما ضرب القطاع الزراعي هو غياب الطاقة، الذي ضرب المواسم ولا يمكن استنباط أي حلول من دونها، وحده المزارع الريفي سيتمكن من الصمود لأنّ التكاليف عليه اقل بكثير من المزارع التجاري. أضاف: صحيح انّ هناك عددً كبيراً من المزارعين تحولوا الى الطاقة الشمسية، لكنّ هذا الحل لا يكفي في غياب الحلول الوطنية الكاملة واستبدالها بحلول عشوائية غير مبنية على دراسات.