رضوان مرتضى
أجرى المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار محاكاة للحريق الذي تسبب بانفجار المرفأ في الرابع من آب 2020. المحاكاة التي كان يُفترض إجراؤها مع بداية التحقيق لتحديد كيفية نشوب الحريق، أُجريت بعد أكثر من سنة على الانفجار، فماذا كانت النتيجة؟
مضى أكثر من عام على انفجار مرفأ بيروت، من دون أن يصدر القرار الظنّي في الملف، أو يكشف القضاء والقائمون على التحقيق حقيقة ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم، لقطع الطريق أمام التحليلات والفرضيات التي أفسحت المجال للاستغلال السياسي. حتى محاكاة الحريق لمعرفة كيفية حصوله، وهي من البديهيات، تأخّر القضاء سنة كاملة قبل أن يُجريها الأربعاء الماضي في حضور المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ومحامي الدفاع والادعاء، فيما غاب ممثل النيابة العامة التمييزية المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري الذي أُبلغ صباح اليوم نفسه، فتعذّر حضوره.
تولى فرع المعلومات تجهيز مجسّمٍ شبيه بالعنبر الرقم 12 استغرق العمل فيه أسابيع عدة. الهدف من إجراء المحاكاة هو تحديد ما إذا كانت هناك إمكانية لدخول شرارة التلحيم إلى داخل العنبر، ومعرفة ما إذا كان لهذه الشرارة القدرة على إشعال الحريق الذي تسبب بالانفجار.
كان العنبر الرقم 12 يُعرف بعنبر المواد الملتهبة، لذلك ضمّ المجسّم مواد مشابهة وعيّنات من من المواد نفسها التي كانت موجودة في العنبر، بما فيها نيترات الأمونيوم بنسبة آزوت 34،7. وبما أنّ الأدلة كانت تشير إلى وجود أصناف متعددة من المواد المصنفة خطرة وملتهبة، وُضعت كميات قليلة من هذه المواد، علماً بأنه تعذّر وضع كل المواد بالظروف نفسها. فعلى سبيل المثال، لم يكن بالإمكان إحضار «تينر» عمره أكثر من عشر سنوات كالذي كان موجوداً في العنبر الرقم 12. وبجسب مصادر معنية، فإن خلق ظروف طبق الأصل كتلك التي كانت في العنبر أمر شبه مستحيل.
هدفت المحاكاة إلى التثبت من مسألتين. أولاً، التأكد من دخول شرارات التلحيم إلى العنبر، وهذا ما حصل في إحدى المحاولات. وثانياً احتمال تسبّب هذه الشرارات باندلاع النار، وهو ما حصل فعلاً. فبعد دخول الشرارات، «عسّت» النار قبل أن يشتعل حريق في واحدة من المحاولات. ولأن اندلاع الحريق لم يتكرر في باقي المحاولات، انقسم الحاضرون حيال النتيجة. إذ رأى البعض أنّ الظروف التي كانت قائمة في العنبر 12 لم تتحقّق في المجسّم. كما اعترضوا على اختلاف باب المجسّم لأنه ليس مشابهاً لباب العنبر الرقم 12 الذي لم يكن مرتفعاً عن الأرض 7 سنتمترات، ما دفع بالمحققين إلى إنزال الباب، علماً بأنّ الشرارة لم تدخل من تحت الباب أصلاً، إنما بين «الدرفتين». كذلك اعترض أحد الأفرقاء الحاضرين على وضع نشارة الخشب في الأرض، لكن المحققين أشاروا الى وجود شحم وزيت سابقاً في أرض العنبر الرقم 12 وهي مواد أكثر قابلية للاشتعال من النشارة. كذلك حصل جدل في شأن سماكة حديد العنبر، فيما لا يمكن تكرار عوامل الزمن التي مرّت على المواد المخزنة كما نوعيتها. إذ لم يوضع سائل الكيروسين في مجسّم المحاكاة، مع أنّ الأدلة الجنائية عثرت بعد الانفجار على براميل مدوّن عليها أنها كيروسين.
حصيلة ليلة المحاكاة التي دامت ساعات جراء الجدال الذي دار بين الحاضرين أن النار اشتعلت بعد دخول شرارات التلحيم، لكن ذلك لم يقطع الشكّ باليقين لدى الجميع، إذ بقيت هناك شكوك لدى البعض في إمكان تسبّب أعمال التلحيم باندلاع النار. وهنا استحضرت فرضية جديدة تتعلق باحتمال ذوبان خطوط الكهرباء في الحائط جراء الحِمل الكبير بسبب عملية التلحيم، ما أحدث حريقاً في خطوط الكهرباء قبل تمدد النيران.
تجدر الإشارة إلى أن فرع المعلومات سبق أن أجرى محاكاة، وكانت نتيجتها أن أعمال التلحيم سببت اشتعال النيران، إلا أن تلك المحاكاة لم تكن بحضور القاضي بيطار، وتالياً، من غير المحتمل أن يأخذ المحقق العدلي بنتيجتها.