اكتشفت بعثة أثرية مصرية بقايا ضاحية سكنية وتجارية تعود إلى العصرين اليوناني والروماني، وذلك أثناء أعمال حفر في منطقة الشاطبي بمدينة الإسكندرية.
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر مصطفي وزيري، إن أهمية هذا الكشف ترجع إلى أنه يلقي الضوء على الأنشطة المختلفة التي كانت تتم عند الأسوار الخارجية للعاصمة المصرية في العصرين اليوناني والروماني، التي كانت تضم أماكن لاستراحة المسافرين وزائري المدينة، لحين الحصول على التصاريح اللازمة للدخول، وكذلك أماكن لفحص وتحديد الضرائب على السلع الواردة للمدينة من جهة الشرق.
وأكد وزيري أن "الدراسات الأولية التي تمت على بقايا الضاحية المكتشفة، أوضحت أنها كانت تتكون من شارع رئيسي تتعامد عليه شوارع فرعية، مرتبطة جميعها بشبكة صرف صحي"، مضيفا أن "استخدام هذه الضاحية استمر لفترة طويلة امتدت تقريبا ما بين القرنين الثاني قبل الميلاد والرابع بعد الميلاد".
وأشار رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار أيمن عشماوي، إلى أن البعثة كشفت عددا من آبار المياه المنحوتة في الصخر، إضافة إلى شبكة ضخمة من الصهاريج النفقية لتخزين مياه الآبار والأمطار والفيضان، لاستخدامها في مواسم الجفاف.
وقال عشماوي: "عدد هذه الآبار والصهاريج تخطي الأربعين، تم العثور داخلها على أوان فخارية ومسارج وبعض التماثيل، الأمر الذي يشير إلى الكثافة السكانية التي كانت تميز هذه الضاحية".
وقالت رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري نادية خضر، إنه تم الكشف أيضا عن بقايا مقصورة بها حوض، يعتقد أنه تم تكريسها للمعبودتين "أثينا" و"ديميترا"، اللتين عرفتا كإلهين للصيد والصيادين، حيث عثر على أجزاء من تماثيل لكل منهما، إضافة إلى بقايا حجرة بجانب المقصورة تحتوي على مجموعة من الأفران الصغيرة التي استخدمت في حرق الأضاحي والطهي للقائمين على المقصورة، وبقايا أوان صغيرة لتخزين الحبوب.
وأوضح مدير عام آثار الإسكندرية خالد أبو الحمد، أن الدراسات أثبتت أن الضاحية المكتشفة "كانت تحتوي على سوق تجارية بها ورش ومحال لبيع الأواني النذرية وصناعة وبيع التماثيل للمعبودات والأبطال الأسطوريين والأباطرة والمشاهير، حيث عثر على قوالب صناعة هذه التماثيل، إضافة إلى تمثال نصفي رائع الصنع لأحد الأباطرة الرومان".
وأضاف: "عثر أيضا على عدد كبير من بقايا أمفورات (أوعية لها أذنان) وتمائم ومشغولات معدنية، وما يقرب من 700 عملة أثرية وأطباق وأوان مختلفة الأشكال والأحجام، إضافة إلى كميات كبيرة من الأدوات المرتبطة بأنشطة صناعية، مثل أثقال النول (للغزل) وشباك الصيد".
وأكد رئيس البعثة إبراهيم مصطفى أن الاكتشافات الأثرية بهذه الضاحية، تشير إلى أنها كانت مرتبطة بشكل كبير بحركة التجارة الوافدة إلى الإسكندرية، وأنشطة الصيد وصناعة الأدوات المرتبطة بها، حيث إن أغلب المكتشفات في ورشة صناعة التماثيل تشير إلى أن الزبائن كانوا من الصيادين.
ويضيف مصطفى: "عثر على تماثيل المعبودات المرتبطة بالصيد، بالإضافة إلى تماثيل الأبطال الأسطوريين والإسكندر الأكبر التي اعتبرت تمائم لرعاية المحاربين، كما ارتبطت المنطقة ببيع القرابين والأواني النذرية التي كانت تقدم عادة للمتوفين في مقابرهم في الجبانة الشرقية".
واستطرد: "أعمال الحفر بالموقع استمرت على مدار 9 أشهر، وجار حاليا استكمال الأعمال النهائية لتوثيق الموقع باستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد وتقنيات الرفع الطبوغرافي الحديثة، ومن المقرر نقل المكتشفات إلى المعامل لإجراء أعمال الترميم اللازمة لها، ومحاولة إعادة تجميع بقايا التماثيل المكتشفة".