مرلين وهبة
في الوقت الذي توقف التواصل كلياً بين بكركي و»حزب الله»، ينشط في المقابل بينها وبين عوكر، خصوصاً بعد هجمة الحزب وحلفائه وانصاره الشرسة أخيراً على مواقف بكركي، الأمر الذي ربما دفع السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الديمان، لتأكيد دعم الولايات المتحدة لمواقفه. وعلمت «الجمهورية»، أنّ المناقشات في هذا اللقاء تركّزت حول ضرورة تشكيل الحكومة، فيما شدّد الراعي على أهمية الدعم الدولي للبنان، ولا سيما منه الدعم الاميركي من مختلف جوانبه، وذلك لتخفيف الأزمة عن المواطنين. كما كان بحث خصوصاً في موضوع فقدان الادوية وسبل تأمينها انسانياً للبنانيين.
أما في السياسة، فقد شرحت شيا للراعي الخطة التي عرضتها على رئاسة الجمهورية المتعلقة بقرار الإدارة الاميركية مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، علماً أنّ المشروع، وفق مصادر بكركي، مطروح ويُعمل عليه منذ وقت طويل.
أما بالنسبة الى اللقاءات بين الراعي و»حزب الله»، ووفق معلومات «الجمهورية»، فهي متوقفة كلياً، بما فيها اللقاءات البعيدة من الاعلام والتي كانت تهدف، بحسب مصادر بكركي، الى احتواء الأزمة الايديولوجية التي انعكست في السنوات الاخيرة سلباً على مجتمع الطرفين، والتي لم تبدأ بسبب تداعيات الاراضي المتنازع عليها في بلدة لاسا الجبيلية، وصولاً الى التأزم بعد اتهام سيّد بكركي بالعمالة، لتنتهي وتتوقف لأسباب جديدة وصارمة لدى الطرفين، هي نفسها التي فرضت حجب اللقاءات وانقطاعها كلياً.
في التاسع من آذار 2021 عُقد اللقاء الثاني بين اعضاء لجنة الحوار الثنائية التي ضمّت عن البطريركية المارونية المطران سمير مظلوم والامير حارث شهاب وعضوي المجلس السياسي لـ»حزب الله» الحاج محمد سعيد الخنسا ومصطفى الحاج علي، وذلك في مكتب شهاب في الحازمية، وخلص الى اتفاق على احتواء الخلافات واستمرار اللقاءات، لمتابعة الحوار الذي انطلق يومها على خلفية طرح الراعي فكرة الحياد. إلّا أنّ اللاءات الشهيرة والدعوة الى عدم السكوت على المواقف التي أطلقها الراعي في خطابه الشهير في 27 شباط الماضي وتّرا العلاقة بين الحزب وبكركي، وأعادها الى المربّع الاول خصوصاً بعد تخوين «حزب الله» الراعي من خلال منصّاته الاعلامية.
اما عن الاسباب المباشرة لانقطاع التواصل في المطلق، فقد علمت «الجمهورية» من مصادر قريبة من بكركي، انّ أوساط الصرح البطريركي غير مستعدة مطلقاً في المرحلة الراهنة لإستقبال اي ممثل عن «حزب الله»، بعكس ما يتمّ الترويج له عبر بعض وسائل الإعلام العاملة لمصلحة الحزب عن «استماتة» الراعي للقاء مع الحزب او مع ممثلين عنه، والتي استندت في ادّعاءاتها الى خطابات الراعي ودعوته الحزب الى استكمال الحوار في بكركي وجهاً لوجه. وأوضحت تلك المصادر، انّ الراعي لطالما طمح فعلاً الى الحوار البنّاء بين البطريركية وبين «حزب الله» في سبيل التهدئة الداخلية والمصلحة العامة، إلّا أنّه عندما عرض فكرة الحياد قامت القيامة، وبدأت المساعي لإنجاح تلك اللقاءات، كمثل مفاعيلها، فتراجعت وتجمّدت.
في المقلب الآخر، علمت «الجمهورية»، أنّ تجميد بكركي اللقاءات الثنائية بينها وبين الحزب مردّه الرسائل التي مرّرها لاستكمال تلك اللقاءات، واشترطت إبقاء ملفات حساسة خارج سياق المناقشة وهي:
«سلاحنا خارج التداول - الحياد لا نريده - فك الارتباط مع ايران لا نريده - المجتمع الدولي لا نريده».
وتعلّق المصادر بالقول: «ماذا تبقّى للحوار وعلى ماذا اذاً يحاورون؟».
ومن هذا المنطلق يقول الراعي وفق زواره: «اذا كنا نريد الحوار فلنحاور في النقاط الخلافية، لأنّ الذي اتفقنا عليه اساساً نحن متفقون عليه، فإذا لم نطرح النقاط الخلافية على الطاولة فلا جدوى للحوار ولا للقاء».
وفي هذا السياق، تذكّر مصادر مواكبة لمسار الحوار واللقاءات السابقة بين بكركي والحزب، انّ البطريرك الراحل مار نصرالله صفير، عند اتخاذه قرار محاورة «حزب الله» كان يعي تماماً انّ بين بكركي والحزب خلافات عميقة وايديولوجية، وهي نقاط نابعة من الخلاف العقائدي. ورغم هذا الامر كان يقول انّ الحزب جزء اساسي من نسيج المجتمع اللبناني. إلّا أنّ غير المتوقع يحصل في كل دول العالم، فكيف اذا كنا نتعامل مع قوى دقيقة، فيما استمرت بكركي بمحاولة تدوير الزوايا من دون التنازل عن مبادئها وثوابتها، لعلمها انّ الحزب ايضاً لن يتنازل عن ثوابته ومبادئه؟ إلّا أنّ بكركي جهدت لإيجاد ارضية لتسهيل الامور مع إقرارها انّها وبغض النظر عن التطورات نجحت في امور وأخفقت في اخرى».
وتكشف المصادر القريبة من بكركي، انّ التواصل مع «الحزب» متوقف حالياً ومقطوع حتى عبر الهاتف! وبحسب تعبير تلك المصادر: «كلمة حق تُقال، لا هنّي طلبوا ولا نحن عرضنا أو طلبنا»، كاشفة عن أنّه منذ فترة حاول البعض الدخول الى خط حوار الحزب ـ بكركي عن غير طريق اللجنة المكلّفة إدارة هذا الحوار، فكان جواب بكركي: «من جهتنا فعلنا ما هو مناسب ولدينا لجنة مستمرة في عملها، وعندما يحين الوقت لعمل اي شيء فلن نقصّر، ولكن لا تتوقعوا منا ان ندخل في اي حوار يُنزل من مقام البطريركية، ومهما رُوّج عن الراعي فستبقى بكركي أكبر…».
وكشفت المصادر نفسها، انّ الرسائل التي تأتي يومياً الى بكركي مدّعية انّها من»الحزب» كثيرة، موضحة «انّ كثيرين يأتون ويقولون إننا نحمل رسائل من الحزب، إلّا أنّ بكركي لم تتبلّغ اي شيء رسمي من الحزب بهذا الخصوص. وفي المقابل، عندما يطالب الحزب بالحوار فلا يستطيع تمرير رسائل ووضع شروط مسبقة له».
وعليه، فإنّ المعلومة الوحيدة التي يمكن تأكيدها، بحسب المصادر القريبة من بكركي، هي انقطاع التواصل كلياً بينها وبين الحزب. وتعلّق على هذا الانقطاع بالقول: «يكون افضل، لأنّ التواصل السلبي يكون اسوأ من عدم التواصل».
امّا عن الحملة الاعلامية التصعيدية على بكركي وعلى الراعي خصوصاً فتقول المصادر: «الغريب انّه حين تُسأل اوساط الحزب عن هذه الحملة يكون الجواب ان لا علاقة لها بها ولا علم لها بها».
وعن اهمية معاودة اللقاءات بين الطرفين تقول المصادر نفسها : «لسنا مستقتلين. وبحياتا بكركي ما ركضت ورا حدا». واضافت: «عندما تدخل بكركي في سجال معهم من المؤكّد أنّها ستخسر، لأنّه اولاً ليس من عاداتها، وثانياً، من الصعوبة ان تنجرّ بكركي الى مستوى تلك السجالات العقيمة».