جهاد نافع - الديار
انتهت احداث القموعة، بعد تدخل العقلاء من جانبي النزاع فنيدق وعكار العتيقة، وبعد مساعي لجنة الصلح في جبل أكروم ونداءات مرجعيات دينية وسياسية عليا في مقدمها مفتي الجمهورية.
انتهت الاحداث مخلفة شهيدين: المتخرج منذ ايام قليلة مهندسا رامي خالد البعريني من فنيدق، والعسكري المتقاعد غازي ميتا من عكار العتيقة، وسقوط جريحين من فنيدق.
ما لا يختلف عليه اثنان ان الجميع في فنيدق وعكار العتيقة يرفضان الفتنة، وكلاهما فاعليات ورجال دين ومخاتير واهالي دأبهم وأد الفتنة، وكلاهما يحتكمان الى القضاء منذ سنوات للفصل في النزاع العقاري على القموعة وسهلاتها الذي يعود للعام 1974 والى اليوم.
وما حصل ظهر الثلاثاء الماضي، دارت حوله اكثر من رواية، لكنها تمحورت حول الحطب وقطع شجرة.
مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا في بث اخبار عن اشكال حول قطع اشجار في الوادي الاسود على تخوم سهلات القموعة، وان شرطة البلدية من فنيدق والقموعة تعمل على حل الاشكال، لاحقا تردد ان المهندس رامي البعريني قد قتل، فسادت موجة غضب كبيرة بين اهالي فنيدق، واحتقنت الاجواء. وهب شباب فنيدق باتجاه القموعة فأسروا 6 أشخاص من عكار العتيقة كانوا في الوادي الاسود ونقلوا الى مخفر القموعة.
في هذه اللحظات علم النائب وليد البعريني بالامر فسارع الى المخفر لتطويق القضية قبل الحاق الاذى بالاسرى، فوجد عدد من فاعليات فنيدق على رأسهم رئيس الإتحاد عبدالإله زكريا ورئيس البلدية الشيخ سميح عبدالحي ورئيس البلدية السابق أحمد عبدو البعريني، قد وصلوا لحماية الأسرى في لحظة خلع فيها الغاضبون باب المخفر بنيّة الإنتقام.
وقد تمكنت فاعليات فنيدق من منع اراقة الدماء باحتكامهم الى العقل والحكمة وتهدئة النفوس والخواطر وتنفيس الإحتقان السائد.
ولاحقا جرى تسليم الاسرى مع اسير جريح هو علي درويش، الذي قيل انه كان بحوزته سلاح الى الجيش اللبناني ،بعد اتصالات جرت بين البعريني وقيادة الجيش ومشاورات مع فاعليات فنيدق واهل الشهيد رامي البعريني.
مساء الثلاثاء وبعد دفن الشهيد البعريني قطع شبان غاضبون الطريق بين القموعة وعكار العتيقة، وفوجئوا برصاص ينهمر عليهم من جهة عكار العتيقة، مما ادى الى توتر جديد ووقعت اشتباكات بين الطرفين.
في اليوم التالي، عقد اجتماع موسع في قاعة الدوحة بحضور النائب وليد البعريني وفاعليات فنيدق والمفتي الشيخ زيد زكريا، تدارسوا خلاله الخطوات الواجبة لدرء الفتنة. وبذلت جهود جبارة لاعادة الهدوء والتأكيد على منع التصعيد، رغم أن هناك دم بريء قد سفك.
وقد لجأت فاعليات بلدة فنيدق الى العقل والحكمة والمنطق، وعضّت على الجرح وسحبت فتيل أزمة كبيرة لا تحمد عقباها، ووضعت ما حصل في عُهدة الدولة والجيش والأجهزة الأمنية. فكما أن رامي بالنسبة إليهم شهيد بريء وسقط، فإن الأسرى هم أيضًا أبرياء ولا يريدون سقوط المزيد من الأبرياء.
بعدها تدخلت لجنة الصلح من جبل أكروم بمساعيها وتوصلت الى فك الاشتباك وانسحاب جميع المسلحين من القموعة، وانتشر الجيش اللبناني في المنطقة.
رئيس بلدية فنيدق
رئيس بلدية فنيدق الشيخ سميح عبد الحي، شرح عبر وسائل التواصل الإجتماعي الحادثة قائلا : «اتصل بي رئيس بلدية عكار العتيقة محمد خليل يعلمني أن هناك أشخاصاً من فنيدق يقومون بقطع الأشجار في وادي الأسود وأرسل لي صورة، فقلت له سأرسل عناصر شرطة البلدية للتحقق من الأمر. وعندما وصل عناصر شرطة البلدية إلى المكان لمعالجة الأمر أطلقت عليهم النيران من جانب عكار العتيقة من مسلحين منتشرين في الجبال المجاورة، كذلك تم إطلاق نار على دورية للجيش كانت تدخّلت لحل الأزمة معهم بعد تواصلنا معها. ثم أعدت الإتصال برئيس بلدية عكار العتيقة لأخبره عن موضوع إطلاق النار فكان يُصرّ على القول بأن ليس هناك من مسلحين من جانب عكار العتيقة».
ويضيف عبد الحي: «من جهتنا من فنيدق تم أسر 7 أشخاص بينهم عسكري متقاعد شوهد وهو يطلق النار من سلاحه، ثم أعيد إطلاق سراح 6 أشخاص وتسليمهم للجيش لم يكن بحوزتهم سلاح لحظة اعتقالهم، ما عدا ذاك الشخص الذي كان يطلق النار».
والجدير ذكره ان الشهيد الشاب المهندس رامي البعريني كان بالصدفة يقوم مع رفاقه بنزهة ويدخن الارجيلة.
رئيس بلدية عكار
أما رئيس بلدية عكار العتيقة الدكتور محمد خليل، وفي تسجيل صوتي له وزعه توجه في بدايته بالعزاء لاهل الشهيد رامي البعريني، معتبرا انه فقيد عكار العتيقة كما هو فقيد فنيدق .
وقال : «اريد ان اتوجه الى الرأي العام اللبناني والرأي العام العكاري لنوضح اننا في عكار العتيقة نعاني منذ سنتين من وجود مسلحين في المنطقة التي حصلت فيها الحادثة وتتعرض منازلنا دائما لاطلاق رصاص خاصة في منطقة الصايح، وقد ارسلت منذ ثلاثة اشهر كتابا الى قائد الجيش والى مديرية المخابرات اعلمتهم بوجود عدد كبير من المسلحين يتسببون بازعاج اهل عكار العتيقة وانه كل من يريد تجربة سلاحه يأتي الى هذه المنطقة».
اضاف: «اما ما جرى يوم الحادثة ، انه الساعة الواحدة يوم الثلاثاء علمنا انه في محلة المدورات وهي ارض عقارية تابعة لعكار العتيقة يوجد اربعة مواتير حطب وبيك اب وجرار زراعي ويتم تحميل حطب اخضر وذهبت شرطة بلدية عكار العتيقة وهم 11 شابا عزلا لا يملكون خرطوشة، ولم نستطع الحصول لهم على رخصة سلاح للكشف، وحصل تلاسن بين الشباب الشرطة والحطابة الذين غادروا المكان، حينها اتصلت برئيس بلدية فنيدق الشيخ سميح عبد الحي وارسلت له صور الحطب الاخضر المقطوع وصور مقصات الحطب و»البيك آب» والجرار، وتمنيت عليه ملاحقتهم ومصادرة الحطب وتنظيم محاضر ضبط ، ولاحقا اتصل بي الشيخ سميح يقول ان شباب البلدية تعرضوا لاطلاق رصاص، فاكدت له ان لا سلاح لدى شباب عكار العتيقة وهم عزل تماما ومن ثم تعرضوا هم لاطلاق رصاص».
وتابع: «وهنا اعود لاؤكد انه يوجد مسلحين كثر في تلك المنطقة وربما توجد مجموعة مسلحة منظمة وهذا يقتضي التحقيق والتدقيق وقد ابلغت بوجود المسلحين قائد الجيش والمخابرات وقوى الامن الداخلي منذ ٣ أشهر، والحطب جرى قطعه في ارض عكار العتيقة» ، وتمنى على القوى الامنية كشف ملابسات الحادثة بكل تفاصيلها، مؤكدا «ان عكار العتيقة وفنيدق اهل واقارب واولاد منطقة واحدة ومصاب فنيدق مصابنا كما مصاب عكار العتيقة مصاب فنيدق دمنا واحد».
التساؤلات المطروحة: هل دخل طابور خامس على الخط ؟ ومن هم هؤلاء المسلحين الذين تحدث عنهم الدكتور محمد خليل؟ وهل جرى التحقيق بمعلوماته التي افاد بها الاجهزة الامنية؟
بلدية فنيدق وفاعلياتها نوهت بالجهود لوأد الفتنة
هذا، ونوّهت بلدية فنيدق وفاعلياتها الرسمية والمدنية، في بيان، «بالجهود التي بذلت من جميع المخلصين الغيورين من أبناء عكار والشمال وكل لبنان، وذلك من أجل وأد الفتنة بين فنيدق وعكار العتيقة، البلدتين الجارتين المتلاصقتين والتي تجمعهما هموم وقضايا مصيرية مشتركة».
وتابع البيان: «نخص بالشكر وفد جبل أكروم الأشم الغالي على قلوبنا جميعا حيث دخلوا براياتهم البيضاء في ساحة القتال واستطاعوا نزع فتيل الفتنة، وتم ذلك برغبة من الطرفين المتنازعين وهم يدركون بأن هذا الإقتتال ليس لصالح أحد، والشكر الموصول لقيادة الجيش وكافة الأجهزة الأمنية التي واصلت الليل بالنهار من إجل إيقاف هذه الفتنة ودخلوا ساحة المعركة بترحيب من الجميع، لأن الجيش هو صمام الأمان لبقاء هذا الوطن. والله وحده يشهد أننا لسنا مع هذه الفتنه وبذلنا أرواحنا من أجل حماية الذين حجزوا وهم 7 من أبناء جارتنا عكار العتيقة وتم تسليمهم للجيش اللبناني. والموقوفون شاهدوا بأنفسهم كل ما حصل من أجل حمايتهم وعودتهم إلى أهلهم سالمين رغم أن الضحية البريء الشهيد الشاب المغدور (رامي البعريني) كان قد فارق الحياة متأثرا بقنص متعمد، وشددنا على الجراح، وأهل الشهيد أخذوا موقف الشجعان وقالوا البريء ليس هدفنا، لأنه ليس من مبادئنا أن نقتل أو نظلم بريئا، وسلموا أمرهم للقضاء المختص لأخذ حق شهيدهم»، مؤكدا ان «أصوات التهدئة كانت هي سيدة الموقف عند الحكماء والعقلاء من أهلنا في البلدة».
واضاف: «كما يؤسفنا مقتل المرحوم (غازي ميتا) من بلدة عكار العتيقة متأثرا بجراحة، والتي أيضا ألمت كل إنسان يؤمن بأن الروح هي ملك لله فلا يحق لأحد أن يزهقها مهما كانت الظروف، وكل ما حصل ويحصل هو بسبب التقصير المتعمد من الدولة اللبنانية منذ عشرات السنين بحق الشمال ومحافظة عكار بالذات وعدم تمكين القضاء المختص من إصدار الحكم بين البلدتين، وذلك بسبب تسييس القضية وبقاء الفتنة لصالح أناس لا يخافون الله ولا يخافون على دماء الأبرياء التي سقطت بسبب شجعهم وطمعهم. وفسادهم ولا يهمهم من قتل أو مات لأن ضمائرهم ماتت عن كل إحساس إلا عن الفساد».
وختم البيان: «نسأل الله أن يلهمنا جميعا حسن التصرف في القول والعمل، ونكرر الدعوة الى إستخدام العقل والحمكة في جميع الأحوال واللجوء الى القضاء العادل هو الأساس، آملين من الجميع عدم تكرار ما حصل. ونحذر من الأصابع الخفية التي تريد الفتنة وإشعالها من عكار لتعم كل ارجاء الوطن، ونحن لن نكون وقودها لأن الوطن غال ولا يباع بثمن، والمرتزقة تجار الفتنة ليس لهم مكان ولا ثمن الا الخزي والعار والخيانة وهم ليسوا منا ونحن لسنا منهم».
عكار العتيقة شيّعت ابنها غازي ميتا جديدة: للتهدئة ونبذ الفتنة
شيّعت بلدة عكار العتيقة ابنها غازي ميتا الذي قضى مساء أمس في احداث جرود القموعة.
وشارك في التشييع رئيس دائرة الاوقاف الاسلامية في عكار الشيخ مالك جديدة ورئيس البلدية الدكتور محمد خليل وفاعليات البلدة واهل الفقيد وحشد كبير من الاهالي.
وبعد أن أم جديدة الصلاة، ألقى ورئيس البلدية كلمتين أكدا فيهما على «التهدئة ونبذ الفتنة». وكانت مناشدة «للسلطات اللبنانية كافة بوضع حد محق لهذه القضية المزمنة بين البلدتين».
وقد ووري الجثمان في الثرى في مقبرة الشيخ حديد في البلدة.