مايز عبيد
يدرك كل من عرف طرابلس في السابق أنها ليست هي طرابلس اليوم ولا تشبه أيام زمان. فأيامها اليوم بلا حركة بعدما قضى شحّ البنزين على زحمة النهار، لتبدو المناطق والشوارع التي كانت تقفل يومياً بفعل الزحمة اليومية المعتادة وكأنها ساحات مهجورة.
هذا في النهار فما بالك بليل طرابلس التي تحولت مدينة أشباح عند كل أفول شمس؟
ما يزيد الطين بلة ويعزز شعور الخوف في نفوس الأهالي هو العتمة التي تسيطر على المدينة المتشحة بالسواد ليلاً لغياب التيار الكهربائي وانقطاع المازوت عن المولدات الخاصة التي حولت طرابلس وشوارعها ظلاماً دامساً. ففي الظلام، وما أدراك ما الظلام عندما يحل، تنتقل المدينة من يد أهلها وناسها إلى أيدي أهل الليل من قطّاع طرق ومجموعات السرقة والمخلّين بالأمن، لتتحول مدينة تنتشر فيها كل أشكال تصفيات الحسابات والإنتقام والقتل والتشليح، في فوضى ما بعدها فوضى، تجعل الناس في خوف على بيوتهم وأرزاقهم وعلى حياتهم الشخصية.
يستنكف أكثرية الناس من أهل المدينة عن الخروج من منازلهم اعتباراً من فترة زوال النهار وحلول الليل لأن طرابلس التي كانوا يعرفونها والتي كانت تضج بالحركة وزحمة الليل لم تعد موجودة. إنهم يحاولون أن يهربوا من عمليات سرقة أو تشبيح أو أي نوع من التعرض عبر المكوث في البيوت بدل التنزه في الشوارع أو ارتياد المقاهي التي صارت تشتاق إلى روادها في الليل الذين تخوفاً من كارثة. فأخبار القتل، والتصفيات، ورمي القنابل والتعديات، وإطلاق النار طوال الليل بسبب أو بغير سبب، هي المسيطرة على أجواء المدينة وأخبارها.
أهالي المدينة وناشطوها يملأون صفحات التواصل الإجتماعي بالتساؤلات التي لا تنتهي عن مصير المدينة وما يجري فيها ولمصلحة من يحصل كل ذلك وأين الأجهزة الأمنية من كل ما يحصل. البعض يذهب في التحليل، إلى أن زعامات المدينة التي فقدت دورها في النهار، بعد رفض الناس وجودها بينهم واتهامها بعدم تقديم شيء لمدينتهم، لم تعد تجد أمامها إلا الليل لكي تبسط سيطرتها عبر بعض "أزلام الليل" للقول للناس إن البديل عنّا هو ذاك الجو الفوضوي المشحون.
هناك تحليلات وتكهنات كثيرة لكن الجميع يستغرب الغياب الفاضح للأجهزة الأمنية وكذلك لعناصر الشرطة البلدية عن ليل طرابلس وسوادها، إذ لا دوريات أمنية ولا تحركات ولا تعقبات. فطرابلس متروكة للسرقات والسارقين والمارقين، ليحتلوا مساحة كل هذا الليل الطويل ويعيثوا فيها فساداً حتى الصباح. لكن ما يتفق عليه الطرابلسيون هو أنه من دون أدنى شك، في حال اعتُبرت الأجهزة الأمنية غير متواطئة مع ما يجري، فإنها على الأقل تعلم بكل ما يجري ولا تحرك ساكناً. وهنا استنتاج بسيط لدى الناس: هل المطلوب تعميم الفوضى في طرابلس لإظهارها بمظهر الخارجة عن الدولة؟ ومن له مصلحة في كل ما يجري من ظلام وظلم على الساحة الطرابلسية؟ الكل اليوم يحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية ترك طرابلس من دون أمن وأمان. لذلك تطرح التساؤلات التالية: هل تريدون منا أن نلجأ إلى الأمن الذاتي لنحمي أنفسنا ومدينتنا وبيوتنا من كل هذه الفوضى؟ وإذا كان ليس هذا المطلوب فأين أنتم إذاً؟