غادة حلاوي
الجميع يتتبع أخبار باخرة المازوت الايرانية التي ستصل لبنان في غضون ايام والتي استقبلت بارتياح المتعطش للحل ولو أتى من آخر اصقاع الارض. ولكن البعض ورغم الاعلان الصريح عن إبحارها استمر في تشكيكه. ثمة من لا يريد التصالح مع الواقع والاعتراف بأن بيئة "حزب الله" لم تنقلب عليه رغم الأزمة، وان الانتخابات لو حصلت يوم غد فلن تحدث تغييراً. "حزب الله" متصالح مع ناسه ويوافيهم الى سد احتياجاتهم قدر الامكان. لندع التقارير التي تتضمن امنيات اكثر من الوقائع جانباً فان "حزب الله" وخلال الازمة الاخيرة استطاع ان يستوعب الازمة ويطوقها أقله في بيئته، كان الوحيد الذي سارع الى فتح محال مواد غذائية مصدرها ايران باسعار اقل من السوق، خصص بطاقات لذوي الدخل المحدود، وحين اشتدت الازمة استعان بايران للمساعدة على مستوى تأمين المازوت لحل ازمة الكهرباء في المعامل والمستشفيات والمنازل. منذ انطلقت الباخرة شرع "حزب الله" في عمل احصاءات على الموتورات في الضاحية الجنوبية وتلك الخاصة بالابنية السكنية للوقوف على حقيقة الاحتياجات. حيث عجزت الدولة عن تلبية حاجات مواطنيها وانكفأت الاحزاب طغى حضور "حزب الله" فالتزمت الحكومة الصمت تجنباً لعقوبات اميركية بعد تحذيرات صريحة تلقتها مؤخراً.
انطلاق الباخرة وموعد وصولها عبارة عن مسار طويل سيستمر أشهراً من دون توقف طالما الازمة مستمرة. هذا المسار أطلق العنان لتحليلات مختلفة لمصادفته مع الانسحاب الاميركي من افغانستان وتسليم البلاد الى طالبان بعد سنوات في مواجهتها ما اوحى بحصول توافق اميركي ايراني له انعكاساته في المنطقة وقد يتبلور في انحسار الدور الايراني في الخليج مقابل تمدده في اماكن وبلدان اخرى وإحكام سيطرة "حزب الله" في لبنان، لكن مثل هذه القراءة لا تجد من يتبناها لا من جانب المطلعين على الموقف الايراني ولا من ناحية "حزب الله". فالمفاوضات بشأن الملف النووي متوقفة منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية الايرانية ووزير الخارجية لم يحلف اليمين الدستورية بعد ما يؤكد ان لا اتفاق على خلفية المفاوضات حول الملف النووي. تأتي الباخرة لتكرس كسراً ايرانياً للحصار الاميركي على لبنان وان السفينة ستليها سفن، كانت البداية مع المازوت لاجراءاته الأسهل وسيليه البنزين حكماً. لطالما عرضت ايران المساعدة على الحكومة اللبنانية وحين رفضت لبت طلب "حزب الله" رغم ما تحمله البواخر من مخاطر تتعلق بالطاقم العامل عليها والحمولة، لكنه الخيار الذي لا بد ان يتخذه "حزب الله" بعد ان رأى ان الاوضاع في لبنان قاربت حد الانهيار الشامل والعهد الذي يدعمه بات مهدداً والخناق يشتد حوله. ورغم علمه ان الكميات المستوردة قد لا تفي بحاجة السوق كاملاً لكن اقله ستكسر الاحتكار من قبل الشركات وتؤمن مقومات الحد الادنى. اقلقت الباخرة خصوم "حزب الله" وأراحت الحلفاء وفي مقدمهم العهد وان تجنب التعليق على الموضوع سلباً او ايجاباً. والمربك الأكبر كان الجانب الاميركي الذي لا يزال يسعى جهده لتطويق الموضوع.
يؤكد العارفون ان إبحار البواخر لم يسبقه تنسيق مع الروس او اي جهة اخرى لنيل ضمانات بعدم التعرض لها وضمانتها الوحيدة هي تلك المعادلة التي ارساها السيد نصرالله بقوله انها ارض لبنانية متى تعرضت لاعتداء وتلك كانت معادلة ردع كبيرة وجديدة على مستوى المنطقة ومنذ اعلان السيد دخلت الباخرة حيز المراقبة من قبل "حزب الله"، فالتعرض لها سيعني حكماً تأكيد وجود حصار اميركي محكم على لبنان واذا عبرت بأمان فهي مشكلة للاميركيين المحرجين.
ان تخاصم "حزب الله" او تلتقي معه المسألة لم تعد ذات شأن، اذ انه الوحيد الذي خطا خطوات باتجاه مواجهة الازمة او لنقل انه اخذ على عاتقه تحدي ما اعتبره حصاراً اميركياً مفروضاً على لبنان وحرك الجمود الذي يحبط التعاون العربي معه لمعالجة ملف الكهرباء. هو وجه من وجوه المواجهة الاميركية الايرانية اكثر منه تسليماً اميركياً لايران في لبنان. كل ما في الأمر آلية التعاطي مع الحلفاء التي تختلف بين إيران وأميركا بدليل ما هو حاصل اليوم.