جنى جبور
شعره الطويل وجسمه النحيل وصوته المنخفض يعرّف الكسندر بوليكوفيتش عن نفسه: "نعم، أنا "gay" (مثلي الجنس) ولست مريضاً نفسياً". ولد بهذه الهوية وظن بداية أنّ "الله لا يحبه" بسبب كل التنمر ومحاولات القتل التي تعرض لها، لكنه قرر بعد صراع خلع القناع والتصالح مع ذاته. واذا أثارت هذه السطور "إشمئزازكم" فتذكروا كمّ "الشواذ" مارستم داخل غرفكم المغلقة من دون أن يكون لديكم جرأة الإفصاح عنه. أمّا "أليكس" فتجرأ وقرر المواجهة بـ"أنوثة".
منذ صغره شعر "أليكس"، وهو الآن في العقد الثالث من عمره، باختلافه عن كل أترابه. ولم يكن صعباً بطبيعة الحال اكتشاف ذلك في مدرسة للذكور. لم يحب يوماً اللعب واللهو على طريقة زملائه "الصبيان". كان طفلاً صغيراً لا يمتلك الثقافة الكافية لمعرفة سبب اختلافه الا انه في صميمه أدرك أن "في شي غلط"، خصوصاً أن ملامحه وإيماءات جسده وطريقة كلامه كانت محط سخرية وسبباً كافياً لتهميشه. كان أليكس مؤمناً يخدم في الكنسية ويشارك في الطلائع المريمية، الّا أنّه هناك ايضاً لم يسلم من التنمر وكل من حوله أكدّ له أنّ "الله لا يحبه". فجأة راح يسأل نفسه "لماذا الله لا يحبني؟ لماذا خلقني على هذا النحو". اسئلة كثيرة أكبر من أن يتحملها عقل طفل صغير، هو الذي كبر على فكرة أنّ "الله محبة"، فكيف تغيرت فجأة هذه المعادلة؟ يجيب: "اختلافي لم يكن قراراً منّي. هذه طبيعتي. ولدت مثلي الجنس جسدياً وروحياً ونفسياً، عكس ما يظن البعض أنني تعرضت في طفولتي لحادث ما حوّلني في ما بعد الى ما أصبحت عليه اليوم. لكن المجتمع أذاني وكذلك الاطفال في المدرسة. لم يرحمني أحد".
رافقه النبذ والتهميش الى عمر السادسة عشرة، واستمرّ يعاني ويُخبئ وينفي الى أن قرر ذات يوم خلع القناع وإعلان مثليته أمام الجميع. يتذكر أول مرّة أخبر عدداً من زملائه في المدرسة عن هويته الجنسية، حينها شعر بشيء من التحرر. ويقول: "شعرت بالحب والدعم والتقبّل. يفضل الناس من هو واضح وصريح بدلاً من "المعقد" الذي يخفي طبيعة علاقاته. عندما يتقبل الشخص ذاته، في وقت يحاول جميع من حوله دفعه الى أن يكره نفسه، يشعر بقوة في أعماقه. في المقابل، اشكر الله أنّ أهلي مثقفون ومنفتحون وتقبلوني كما أنا، الّا أن مشكلتي الأكبر كانت مع المجتمع التقليدي الذي يخضع لقوانين صارمة وخيارات ضيقة".
لستُ مرضاً معدياً
يعيش أليكس رجولته بأنوثة، في خزانته قميص رقيق "سكسي" وثياب داخلية متنوعة وحذاء "كعب عالي" يسير فيه أفضل من بعض النساء على حدّ قوله، والقليل من أدوات التبرج. نسأله: هل حاولت تغيير هويتك الجنسية؟ يجيب: "حاولت ان افهم نفسي في خلال طفولتي وان أتغير لكنني لم اتمكن من مقاومة طبيعتي. أيقنت بعدها ان من يحارب هويته يخلق مشاكل نفسية كثيرة في داخله. صراحةً، كان لدي الحظ بمغادرة لبنان الى باريس والإبتعاد عن هذا المجتمع الذي لا يرحم". في العاصمة الفرنسية حصل على شهادة من جامعة "باريس الثامنة" في مجال المسرح والرقص، في حينها نبذه أهله لكن الأمر لم يدم أكثر من سنة، فعاد بعدها كل شيء إلى طبيعته مع الأهل.
بعودة أليكس الى لبنان آملاً ان يكون قد تطور مجتمعه، إلّا أنّ هذه الأمنية لم تتحقق. ففي إحدى المرات وبينما كان يسير على الطريق أعجب به أحد المارة وطلب منه مرافقته. وبعد أن رفض أليكس عرضه انهال عليه بالضرب والشتم وكاد أن يقتله. "ليش بدي خاف أمشي ع الطريق"؟ يسأل أليكس، كاشفاً أنّ هذا الموقف ليس الوحيد الذي تعرض له، مضيفاً: "البعض يتهرب مني. اذا جلست بالقرب منهم سرعان ما يبدلون مقاعدهم، وكأنني مرض معدٍ، والبعض الآخر يرفض السير معي في الشارع، خجلاً من أن يراهم أحد برفقتي. ناهيك عن محاولات القتل التي أتعرض لها، ودعوات الحرق والسحل والرجم والنحر من الوريد الى الوريد، وكل ذلك باسم الدين".
خلقتُ من التنمر قوة
قرر أليكس المواجهة على الرغم من كل شيء. هو يدرك جيداً أن هذه هي طبيعته ويقول "المثلية الجنسية ليست "موضة" لكن للأسف هناك من يسير اليوم بهذه الطريق كـ"Trend" ليس أقل ولا أكثر". ويتابع: "تصالحت مع نفسي وقررت السير قدماً. يحاول الناس افهامي انني "الغلط" لكن بالنسبة لي "هم الغلط وأنا الصح". يقولون لي إنني مريض. "فشروا". هم من يعانون المشاكل النفسية ولا يستطيعون تقبّل من هو مختلف عنهم، وبالتالي من يكون "المريض"؟ هم من يجب ان يعيدوا النظر بأنفسهم وليس أنا، لن أمحو هويتي ولن أنهار بسبب "عقدهم". أنا اعيش مثليتي من دون التعرض لأحد، فماذا يريدون منيّ؟ هذا المجتمع "مفصوم" ويتنمر حتى على المرأة المطلقة وعلى الشخص البدين وعلى المعوقين. وفي الوقت نفسه، يمارسون كل اعمالهم في الخفاء"، يتابع: "قد لا تستوعبين مدى انتشار المثلية الجنسية في مجتمعنا. هناك متزوجون لديهم أولاد وهناك من يتخفون وراء "رجولة مصطنعة" وعضلات ويتنمرون على أمثالي لأننا نرتدي "الفساتين" ونتبرّج. أمّا أنا فتجرأت وأفصحت عن هويتي وقررت حلّ مشكلتي مع المجتمع، وحولي أناس ليست لديهم العقد النفسية، يتقبلونني كإنسان بعيداً عن علاقاتي الجنسية التي لا علاقة لأحد بها. أنا حولتُ التنمر الى قوة وأجبرت من حولي على احترامي من دون السماح لهم بإهانتي لأنه اذا أفسحت لهم المجال "سينهشون لحمي". واليوم أقول وأنا متصالح مع نفسي: "أنا الكسندر بوليكوفيتش واجهت المجتمع بأنوثتي".