لعقود طويلة ماضية شكلت بيروت والمدن الكبرى والضواحي المحيطة بها هدفاً لنزوح مئات الآلاف من أهالي القرى والأرياف بحثاً عن فرصة عمل أو تحسيناً لظروف الحياه، حيث تتوفر الخدمات الأساسية التي كانت تفتقدها تلك القرى لا سيما الكهرباء والمياه والصحة والتعليم. هذا، وكانت بعثة إرفد (1959-1960) قد أشارت بدقة وتفصيل عن ظاهرة النزوح من الأرياف وعن ضرورة العمل على تنميتها وتشييد البنى التحتية وإنشاء زراعات وصناعات ومشاريع سياحية وخدمات صحية وتربوية. وقد تمّ إنشاء معهد للتدريب على الإنماء في العام 1961 بناء على اقتراح بعثة إرفد وذلك لدراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتقويم المساعدة التقنية ولكنّه تمّ إلغاء هذا المعهد لاحقاً.
لكن الأزمة الاقتصادية وما سببته من بطالة وإغلاق للمؤسسات وتراجع للخدمات العامة بدلت اتجاه النزوح ودفعت ببضعة آلاف من الأسر إلى العودة إلى قراها، لا سيما الأفراد الذين فقدوا عملهم. ففي تلك القرى قد يتوفر السكن العائلي أو سكن بكلفة أدنى منه في المدن. كما قد تتوفر فرص عمل في مجالات الصناعات البسيطة أو الزراعة أو البيع في محلات صغيرة وكذلك الحصول على بعض المواد الغذائية بكلفة أدنى.
لا يتوفر رقم دقيق حول أعداد العائدين إلى القرى والأرياف بشكل نهائي ولكن من الممكن رصد ذلك من خلال عيّنات في عشرات القرى، حيث يشكل العائدون نسبة تراوحت ما بين 5% و7% من السكان في تلك القرى. وإذا ما اعتبرنا أن عدد المقيمين في القرى والأرياف يقارب نسبة 25% من اللبنانيين المقيمين أي نحو1.1 مليون لبناني فإنّ عدد العائدين يتراوح ما بين 55 ألف فرد و77 ألف فرد، وهذه الأعداد مرشحة للازدياد مع اشتداد الأزمة وتفشي البطالة وارتفاع كلفة المعيشة في المدن مقارنة بالقرى والأرياف.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن النزوح من الأرياف إلى المدن قد بدأ بالإنحسار والتراجع في السنتين الأخيرتين مقارنة بالسنوات الماضية.