الشاعر هنري زغيب
يَثبُتُ أَنْ ليس لهذا الوضع الحارق إِلَّا الآثارُ السلبية الكارثية على شعبنا. سوى أَنني أَرى له أَثرًا، إِن لم يكُن إِيجابيًّا، فعلى الأَقلّ تغييريّ: إِنه ازديادُ الكُره يومًا بعد يوم، والشتْم يومًا بعد يوم، والحقْد يومًا بعد يوم على أَشخاصِ هذه الطبقة الحاكمة بأَصنامها وأَغنامهم. فلم يَعُدْ بيتٌ في لبنان إِلَّا صَبَّ كُرهَه وحقْدَه على مَن أَوصلونا إِلى ما نحن فيه، ولا يجدُ الناس منه خلاصًا إِلَّا الخلاص من أَصنام هذه الطبقة وأَغنامها.
هذا الخلاص يبدأُ في صندوقة الاقتراع. قد يراني البعض مُفْرطًا في التفاؤُل ومُبالِغًا في اليوتوبيا، لكنني أَستشْعر - في نبْض الناس حولي وعلى الشاشات - رفْضًا ناريًّا هذه الطبَقةَ برموزها البشعة الفاسدة، وبأَشخاصها المكروهين الذين - ونحن على مقربة من الانتخابات - سيُجنِّدون طاقاتهم الثَعْلَبية في إِغراء الناس بالوعود، وإِغراقهم بالهبات من بونات بنزين أَو بطاقاتٍ تمويلية أَو بطاقاتٍ تموينية أَو مبالغَ ماليةٍ خضراءَ يَشترون بها ضمائر الشعب أَو يأْسه أَو أَوجاعه إِنما... إِلى حين، إِلى بضعة أَسابيعَ بعد الانتخابات ثم ينسحبون من جميع وُعُودهم الوهمية الكذابة تاركين الشعبَ يتخبَّط من جديد.
سوى أَن شعبَنا الجريحَ الكرامة باتَ في معظمه رافضًا هؤُلاءِ المداهنين المراوغين الكذَّابين الذين يزحفون اليوم إِلى رضى ناخبيهم وغدًا يتنمَّرون عليهم. لذا شعبُنا لن يُعيدَهم إِلى كراسيهم بعدما انكشَفوا وانفضَحوا وسقطَت هيبتُهم الـمُوهِمة السابقة وانكسَرَت بطولاتُهم الدونكيشوتية، وباتوا في عيون الشعب فاسدين مكروهين أَذلَّاء متَّهَمين مقصودين مطارَدين محجورين في جُحورهم أَو هاجرينها مع عيالهم خوفًا من الشعب الثائر، لا يَخرجون إِلَّا في سيارات مموَّهة بمواكبة مسلَّحة ولا يَظهرون في مطعم أَو مصرِف أَو محل عامٍّ.
كانوا، حتى 17 تشرين الثورة، يعامِلون الناس أَغنامًا محسوبية وأَرقامًا شرائية وأَعدادًا مناطقية في بوانتاجاتهم الانتخابية، حتى إِذا اندلَعَت ثورةُ الغضب باتوا أَهدافًا ظاهرَة ومخفيَّة، ينتظرهم الشعب على كوع الانتخابات حتى يَطرُدَهم من نعيم ما كانوا يَنْعَمُون فيه على حساب الناس ومن حساب الناس.
كانوا فوق الحسابات فباتوا اليوم أَسرى الحسابات. كانوا يَتَمَتْرَسُون خلف حصانتهم كي يرتكبوا الموبقات فباتوا يتبارَون في الاندفاع إِلى رفْض رفْع الحصانات كي لا يكُرَّ انفراطُ دومينو الفساد ويكشفَ عوراتِهم واحدًا فواحدًا فيظهرَ كم كانوا خائنين حقوقَ مَن أَوصلوهم إِلى مجلس الحصانات.
أَشهرٌ قليلةٌ بعدُ، ويكون الحساب. وسوف يدركون أَن في شعبنا كثيرين ممن لم يعودوا ناخبين ببَّغاويين ولا مقترعين أَغناميين. وحتى في البيئات التي يطمئِنُّون إِلى أَنها حاضنةٌ ناخبيها سلَفًا، سيجدون أَنَّ فيهم مَن يظنُّونهم خانعين كالعادة لكنهم سيكسرون العادة وينتفضون على جلَّاديهم، لأَن الجوع وحَّدَ شعبنا، والذُلَّ وحَّدَ شعبَنا، والقهْرَ وَحَّدَ شعبَنا، ولم يَعُدْ شعبُنا عمومًا يقتنع بإِغراءٍ كَذَّاب أَو وَعْدٍ دَجَّال أَو حفنةِ أَوراقٍ خضراءً سرعان ما تذوبُ كحفْنة ملحٍ ليَعودَ القهْر والذُلّ من جديدٍ بعد الانتخابات.
بلى: واعٍ شعبُنا كلَّ هذا الويلَ إِن هو أَعادَ أُولئِك إِلى كراسيهم، وسوف يَبرُز وَعيُه هذا يومَ الحساب.
ولم يعُد بعيدًا يومُ هذا الحساب.