جورج شاهين
في محاولة لتطويق مخاطر الإنزلاق الى خلاف كبير بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، بادر الاول في بيانه امس الاول، الى تبرئة ميقاتي من «جريمة» العرقلة، وحمّل المسؤولية لآخرين لم يسمّهم. ولما ردّ ميقاتي على التحية بمثلها وقبل دعوته الى زيارته، لم يثبت انّ هناك حلاً في الأفق. فهناك ما يعوق «خطة عنقودية» يمكن اللجوء اليها فور تشكيل الحكومة، لفرملة السقوط الكبير. فكيف تمّ التوصل الى هذه المعادلة؟
بمعزل عمّا سيأتي به اللقاء الثالث عشر بين عون وميقاتي متى عُقد، فإنّ المنحى الذي اتخذته عملية تشكيل الحكومة لا يزال يتجّه الى السلبية أكثر من الإيجابية. فلم يتمكن اكبر المتفائلين بعملية التأليف من إعطاء حظوظها نسبة تفوق 51 %، تاركاً للمفاجآت السلبية الكثيرة، كما الإيجابية على قلّتها، ان تقول كلمتها في الساعات والايام المقبلة. ومردّ هذا «التشاؤل»، ضرورة توقّع اي تطور ممكن بين ساعة وأخرى، نظراً لتعدد مثل هذه التجارب في لقاءات سابقة، والتي يمكن ان تتجدّد في اي منها.
وما ينطبق على اللقاءات السابقة يمكن ان ينعكس على اللقاء الثاني عشر الذي عُقد بين عون وميقاتي أمس الاول الخميس، على وقع بياني مكتب الإعلام في القصر الجمهوري، الذي رفع التهمة عن ميقاتي وحمّلها الى أطراف اخرى من دون ان يسمّيها. وردّ ميقاتي التحية بالمثل. وقد أجمعا على وجود النية للتعاون بينهما وتذليل العقبات التي اعترضت مسيرة التأليف، من دون القدرة على ضبط العملية والتحكّم بها من جوانبها المختلفة.
وبالعودة الى توقيت البيانين وشكلهما ومضمونهما، فإنّ اللقاء الذي جمعهما قبل ان يجف حبره، لم يخرج عن كونه محاولة لإحياء الأمل في التأليف بما يرضي الساعين اليه. فقد كان واضحاً من خلال التسريبات التي سبقت صدور بيان بعبدا، انّ «الدف انفخت» بين عون وميقاتي، وانّ عملية التأليف دخلت دهاليز عميقة، وليس من السهل استيعاب سلبياتها، وخصوصاً إن ادّت الى الإعتذار الثالث الذي رجّحه بعض الأوساط، واتهمت اخرى بالسعي اليه من باب العرقلة المقصودة لمهمة ميقاتي. وهو- كما يبدو- ما فرض على رئيس الجمهورية إصدار بيانه، في محاولة لاستيعاب التداعيات الخطيرة المتوقعة، نتيجة تزايد العِقد التي ارتبط بعضها بمواقف ومطالب ورغبات الرئيسين نفسيهما، قبل حصرها بغيرهما ممن حمّلهم بيان بعبدا المسؤولية، والذين يمكن إدراجها في لائحة «فارغة من أسماء العلم».
وعند الدخول في تفاصيل بيان بعبدا، قال العارفون بدقّتها والأكثر اطلاعاً على ما جرى التداول به في الفترة الاخيرة، انّ ما حاول البيان الإشارة إليه لاستيعاب الموقف وتدارك مخاطر اي خلاف يمكن ان يطل فوق سطح الأحداث، لم يكن كافياً للدلالة على العلاقة الطبيعية المفقودة بين الرئيسين، وأنّ ما طرأ من خلافات لا يتحمّلان مسؤوليتها وحدهما. فقول البيان انّ الرئيس المكلّف «واجه مطالب تتزايد وتتبدّل من آخرين.... انعكس تأخيراً في إصدار التشكيلة»، هو أمر غير دقيق.
وعليه، يؤكّد العارفون، انّ هناك خلافاً ما بين الرئيسين أيضاً، ولا يقتصر الامر على مطالب الآخرين، وكان على الاتصالات التي جرت في الساعات القليلة التي فصلت بين زيارة المدير العام للقصر الجمهوري الدكتور انطوان شقير الى منزل ميقاتي مساء الأربعاء الماضي، وموعد صدور البيانين في اليوم التالي، ان يُصار الى ترميم النتائج التي ترتبت على مضمون اللائحة الأسمية التي سلّمها شقير الى ميقاتي، بما فيها من أسماء مقترحة من قِبل عون، قيل انّها تشمل تسمية أكثر من 8 من الوزراء المسيحيين، كما تضمنت اسماء مرفوضة سلفاً من ميقاتي، ليس لأسباب تتصل بالسيرة الذاتية لكل منهم، بل خوفاً من ان تحمل تسميتهم مجموعة ألغام داخل التشكيلة الحكومية، وهم من الحزبيين الذين لا يمكن ان يتولوا بعض الحقائب الحساسة والحيادية، كما يسمّيها ميقاتي. وهو ما قاد الى الاعتقاد، انّ السعي ما زال قائماً من اجل ضمان الثلث المعطّل لبعبدا ومن خلفه لـ»التيار الوطني الحر»، الذي بقي اعلامياً خارج عملية التأليف، فيما هو متعمق في البحث في توزيعة الحقائب والاسماء، وله الكلمة الفصل فيها، في وقت يقول فيه بأنّه قد لا يمنح الثقة لهذه الحكومة.
ولذلك، فإنّ اشارة بيان بعبدا الى اطراف اخرى «أرهقت» ميقاتي بالشروط ليس دقيقاً وليس السبب كاملاً. وإن كانت الإشارة كافية ليفهم الجميع انّ من بين المقصودين بها بشكل غير مباشر كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والحزب «السوري القومي الاجتماعي»، نتيجة مواقفهم من حصصهم في بعض الحقائب كما هي مطروحة، وهو ما دفع الى بروز نوع من تضارب المصالح. فبعض الحقائب التي طلبها هؤلاء كانت من المجموعة التي يرغب بها رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وهو ما يؤدي الى التلاعب بالتشكيلة كاملة، والتي يمكن ان تنهار كـ «حجارة الدومينو».
في اي حال، يعتقد المراقبون انّ عملية التأليف باتت في عنق الزجاجة. وما لم تتكثف الاتصالات سعياً الى مخارج صعبة، فإنّ الأزمة ستطول وستكون التداعيات خطيرة على اكثر من مستوى. والاخطر إن دخلت العملية مدار نقاش، تزامناً مع ما تسببت به مواقف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله من موضوع استيراد المازوت الايراني الى لبنان. وهي عملية إن اكتملت فصولها، وإن لم تكن مجرد «حرب نفسية» كما يعتقد البعض، فهي ستلزم الحكومة بقرارات لا يتحمّلها رئيسها ولا اهل السلطة وأركانها أجمعين. فمثل ما هو متوقع، إن وصلت بواخر المازوت الايرانية الى المياه الاقليمية اللبنانية، لا يمكن تقديره من اليوم. فـ «حرب السفن» بين طهران وتل ابيب لم تتوقف بعد. ولذلك، فإنّ لبنان لا يتحمّل تردّدات اي منها إن كان على صلة بها. فالعقوبات المفروضة على إيران ستنسحب كثير منها لتطاول الجانب اللبناني، الذي سيكون عاجزاً عن التعاطي مع الصفقة النفطية اياً كان شكلها المتوقع، من دون ان تترتب عليه مسؤولية مخالفة هذه العقوبات.
وينظر المراقبون السياسيون بقلق الى مجموعة الأفكار المطروحة، مخافة ان تتعقّد الامور وتعوق عملية التشكيل. فكل ما هو مأمول ان تؤدي ولادتها الى فتح نافذة كبيرة في اتجاه الحل، على امل ان تشكّل بتداعياتها ما يمكن ان تؤدي اليه «عملية عنقودية» تتلاحق فيها «الصدمات الإيجابية»، من الخطوات الحكومية الى السياسية والديبلوماسية والمالية، والتي لا يمكن التوصل إليها إلّا بعد تنازلات مطلوبة من مختلف الأطراف، وهي ما زالت مفقودة وغير متوافرة حتى اليوم، لا في البيانات ولا في النيات. فالشروط المتبادلة في اللقاءات المقفلة لا توحي بإمكان الوصول اليها.