أنطوان الأسمر
ثمة مسؤولون في لبنان تنقصهم، قطعا، الحكمة والحنكة والحصافة!
لا إنطباع آخر، سوى هذا، يتيح تفسير تصرفات هؤلاء وأدائهم وسلوكهم السياسي، وحتى الشخصي.
نجيب ميقاتي الطامح والقادر على تحقيق طموحه، يحيطه كثر من هؤلاء المسؤولين- النواقص، من جنبيه، من ميمنته والميسرة (تكرارا). المهم ألا يُسقط الرجل من يده حقيقة واحدة: تحرره منهم يمكّنه حكما من تشكيل الحكومة العتيدة، ومن حجز مقعد وثير له بعد ربيع 2022.
لا يُخفى أن الرجل كاد أن يسقط في فخ هؤلاء، هذا الأسبوع.
لا تُفسّر لائحة الوزراء العشرة المسيحيين الذين انتقاهم وحلفاءه، تاركا لشريكه في التشكيل، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اسمين اثنين يشاركه هو أيضا في إختيارهما، إلا في سياق التأثر بالمحيط والعثرة التي كادت تطيح كل الجهد للتأليف.
المهم أن الرجل عاد عن اللائحة – اللغم، وأعاد المسار الحكومي الى السكة الصح، في إنتظار تسريع الآلية لاستيلاد الحكومة الأسبوع الطالع.
يوم الخميس، كان التسارع في الأحداث العنوان الأبرز. خطاب السيد حسن نصر الله في عاشوراء معلنا إستقدام الناقلات الإيرانية، شكلّ المنصة اللازمة لكي يبادر الرئيس سعد الحريري الى قنص الخطاب، كما جهد الرئيس المكلف للتأليف. إذ كيف لميقاتي أن يشكّل وشريكه في نادي رؤساء الحكومات السابقين، نادي الغولف إياه، يطوّقه من كل حدب؟ لكن ما هي إلا لحظات حتى تبيّن خيط آخر كانت واشنطن تعمل عليه منذ حين. لقاء بين السفيرة دوروثي شيا ومكلّف مهمة التواصل معها، تُعلمه فيه أن واشنطن أسقطت مفاعيل قانون قيصر عن استيراد الغاز من مصر واستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن، بما يحقق استدامة طاقوية للبنان تخفّض فاتورته النفطية الهائلة وتنزع من مافيا النفط وأذرعها الأخطوبية أينما كان وصولا الى أحزاب المولدات، منتفعي المازوت الأسود. وما لبثت شيا أن طلبت الاتصال من هاتف مضيفها برئيس الجمهورية لإعلامه بقرار بلادها الإستثنائي، تاركة للرئاسة الإعلان عن هذه الخطوة.
الرسالة الأميركية بأضلع مخمّسة، وربما مسدّسة:
1-تأتي استكمالا لصفقة النفط العراقي التي ما كانت لتحصل لولا الإفساح الأميركي، في سياق تبيّن واشنطن أن إستكمال الحصار الدولي – العربي سيسقط لبنان حكما في يد حزب الله وإستطرادا إيران. لبنان كله بلا إستثناء، بما فيه من حلفاء لها خلّص ومتلوّنين. أحدهم، على سبيل المثال، لا تخفي واشنطن قناعتها بأنه جلس أشهرا في حضن حزب الله ويتوسط مع إيران، طلبا وطمعا!
2-تقطع الطريق على الناقلات النفطية الإيرانية، وعلى ما قد تجلبه من عقوبات.
3-تفك بنفسها الحصار، لو جزئيا، التي فرضته على لبنان استهدافا لحزب الله.
4-تخصص رئيس الجمهورية بالنبأ -البشرى، وتفتح بابا واسعا أمام خطوات لاحقة تكرّس الإنفتاح عليه وعلى محيطه.
5-تحيط علما وفعلا مجموعة المحسوبين عليها من حلفاء، بأن ليس هم من يحددون سياستها في لبنان، ولا هم من يقررون ويطوّقون نجيب ميقاتي، بغرض إسقاط الجهد الحكومي وإجهاض مسار دولي ترعاه بالشراكة مع باريس. لا بل هم ليسوا في مدار قراراتها، بدليل جهلهم تماما بالـwaiver الذي أقرّه الكونغرس لاستثناء لبنان من قيصر في مسألتي الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وبالترتيبات الدولية ربطا بالمركز السوري الغازي والكهربائي.
6-تحضّ ميقاتي، المشتكي بين الفينة والأخرى من نقص الاحتضان الدولي لمسعاه، على الخوض حتى النهاية في مغامرته، وعلى تخطي عوائق محيطيه من المتربّصين، مستعينا بالرعاية الدولية. هؤلاء المتربّصون المنتظرون فشله والساعون اليه بكل جهد، من أجل إستكمال استهداف رئاسة الجمهورية عبر تطويقها وعزلها سنيّا وصولا الى اسقاطها والعودة الى حلم الرئاسة التي بلا لون أو طعم أو رائحة. وفي جنبات كل ذلك لا يُحجب السعي الحثيث الى تحقيق الرغبة الجامحة، الخفية، في إجهاض أي رئاسة حكومة خارج المنال، من سمير الخطيب الى مصطفى أديب.