آلان سركيس
لا يزال الشعب اللبناني يعيش تحت صدمة إنفجار عكّار الذي تسبّب بمجزرة قد تتكرّر في أي لحظة نتيجة إجرام المهرّبين وتهاوُن "الدولة" بالتواطؤ معهم.
سمحت السلطة الحاكمة للمهرّبين منذ أكثر من سنتين بأن يلعبوا لعبتهم المفضّلة وغطّتهم واستفادت منهم، وكشفت حادثة عكّار، بحسب إتهامات الأهالي وبعض السياسيين في المنطقة وعلى رأسهم النائب والوزير السابق معين المرعبي، عن تورّط بعض النواب والمسؤولين الكبار في عملية التهريب، في حين أن الإتهامات تأتي بالجملة لـ"حزب الله" بحماية المهرّبين ورعايتهم من أجل إنقاذ نظام الأسد.
وإذا كانت المسؤولية تُلقى على عاتق الأجهزة الأمنية في عملية ضبط الحدود، إلاّ أن قادة الأجهزة يؤكّدون أنهم يقومون بواجباتهم لكن القرار السياسي غائب، بينما يتمّ الحديث في المناطق الحدودية سواء في البقاع أو الشمال عن تورّط كبار المسؤولين الأمنيين في عمليات التهريب، سواء من خلال المشاركة فيها أو عبر الإستفادة من المهرّبين الذين أصبحوا مافيا مثل مافيات المولّدات واللحوم والإنترنت والكهرباء.
وفي السياق، برز كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله وانتقاده لعمليات التخزين والتهريب إلى سوريا، وظنّ من يصغي إلى حديثه وكأنه يسمع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أو النائب السابق فارس سعيد، في حين أن "حزب الله" هو المتّهم الأساسي من قِبل أغلبية الشعب اللبناني بأنه يحمي عمليات التهريب إلى سوريا ويستنزف أموال المودعين.
وفي قراءة لهذا الكلام، فإنه يأتي بعد سلسلة أحداث أبرزها الإنفجار الذي كاد يقع أمام محطات المحروقات في الجنوب والبقاع، والزحمة التي لم تعد تُحتمل، وضرب الموسم الزراعي في البقاع نتيجة غياب مادة المازوت، ورشق نائبه حسين الحاج حسن بالبندورة والبيض في منطقته في بلدة علي النهري، ما دلّ على أن بيئة المقاومة بدأت تنتفض على سلوك "حزب الله"، وأن كل الكلام والوعود التي أغدقها نصرالله بأن بيئته لن تجوع ولن تشعر بالأزمة لم تكن وعوداً صادقة، بينما الحقيقة أن البيئة الشيعية من أكثر المتضرّرين من هذه الأزمة.
ويأتي كلام نصرالله بعد مباشرة الجيش دهم المحطات في كل المناطق واكتشافه الكميات المخزنة ما يدل على أن المحروقات موجودة والأزمة بحاجة إلى قرار سياسي مفقود حتى الساعة.
وبعد ملامسة الأزمة الخطوط الحمر وتسليم كل القوى السياسية بمن فيهم نصرالله بأن لا مسّ بالإحتياطي الإلزامي ولم يعد البلد يتحمّل إستنزاف مزيد من الدولارات، يبدو أن "الحزب" مقتنع بأن الأزمة ستطول.
ومع إعلان نصرالله عزمه على الإستيراد من إيران، يردّد البعض أن رأيه الحازم بمنع التهريب إلى سوريا يأتي خوفاً من أنه اذا استورد المحروقات الإيرانية فقد تُهرّب أيضاً إلى سوريا خصوصاً أن هناك مافيات تهريب قد خرجت عن سيطرته وفتحت خطوطاً مباشرة مع الجانب السوري، وهنا تقع الكارثة، فـ"الحزب" الذي يوحي بأنه يستورد من إيران لحلّ الأزمة قد تُهرّب محروقاته إلى سوريا عبر الخطوط التي فتحها بنفسه.
وفي السياق، فإن نصرالله الذي أصدر القرار السياسي بمنع التهريب عوضاً عن الدولة، يواجه نار المحروقات التي ستلهب الجميع ولن تستثني أحداً لأن الأزمة لا تطال فئة واحدة بل كل الفئات، وكشفت هشاشة بيئة المقاومة التي كان يتحدّث عنها أنها صلبة ولا تهتزّ.