غسان ريفي - سفير الشمال
لم تكد النيران تلتهم أجساد العكاريين من أبناء التليل والدوسة والكويخات والبلدات المجاورة بفعل الكارثة البشعة التي شهدتها البلدة الوادعة والناتجة عن جريمة موصوفة بحسب التقارير الأمنية وشهود العيان، حتى سارعت بعض التيارات السياسية الى دراسة واقع الانفجار والغضب الشعبي حوله، لتوجه رسائل علّها تصيب عبرها مقتلا من خصومها على مسافة أشهر من الانتخابات النيابية.
لم تراع تلك التيارات حرمة الموت، ولم تستح من حزن العائلات المفجوعة، ولم تعتبر من الأجساد التي مزقتها النيران وفحّمتها، ولم تهتم لأمر حقيقة ما جرى لتحديد المسؤوليات والنيل من الجاني أو المقصر، بل كان الهدف الأساسي لديها ضرب الخصوم وإغراقهم بدماء أبناء عكار وإضعافهم شعبيا.
كان لافتا السجال السياسي الناري بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والذي جاء ليسيء الى مشاعر العكاريين خصوصا أنه جاء من “الزنار ونازل” ولم يخل من الاتهامات وصولا الى الشتائم المبطنة، حيث حاول كل فريق تحميل الفريق الآخر مسؤولية إحراق أبناء عكار عله يستطيع إحراق خصمه لإنتزاع مقعد نيابي لم يعد يجدي نفعا في بلد يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة.
بدا واضحا أن الرئيس سعد الحريري تخفف من أعباء الحكم والتكليف ووجد الفرصة سانحة لتصفية الحسابات مع رئيس الجمهورية ميشال عون فدعاه الى الاستقالة، وكذلك مع تياره السياسي الذي عطل مهمته الحكومية لتسعة أشهر ما إضطره في النهاية الى الاعتذار، في حين لم يفوت التيار البرتقالي الفرصة أيضا وشن هجوما متعدد الأوجه كان بعضه من خارج الأدب السياسي، ما كشف حجم الحقد المتنامي على الحريري الذي قاد تسوية رئاسية حملت ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.
في كل الأحوال فإن العكاريين لم يتنبهوا لهذا الرقص السياسي على جثث أبنائهم، وهم وإن فكروا في الأمر فإنهم سيحمّلون المسؤولية الى الطرفين كونهما يتقاسمان نواب عكار، باستثناء مقعد القوات اللبنانية، ولكون صاحب الأرض متهم بـ"العونية" السياسية، وصاحب الخزانات متهم بـ"المستقبلية" السياسية.
لم تقتصر الرسائل السياسية على الفريقين البرتقالي والأزرق، بل إن تيارات أخرى وجدت في هذه الكارثة ضالتها لتوجيه رسائل إستهدفت الجيش اللبناني في محاولة لتحميله مسؤولية ما حصل كونه سمح للمواطنين بتعبئة الغالونات من الكميات المصادرة ما أدى الى هذه الكارثة، ويأتي هذا الاستهداف إستكمالا لمسلسل سابق كان بدأ على خلفية الدور الكبير الذي يؤديه الجيش في حفظ الأمن والاستقرار والتصدي لكل أنواع الفلتان، ليلفت بذلك أنظار دول العالم التي تتطلع إليه بكل تقدير.
أما الرسالة المستغربة التي جاءت من خارج النص، فكانت تلك التي وُجهت الى الرئيس نجيب ميقاتي تحت منزله في بيروت، حيث فجأة ومن دون سابق إنذار تجمع بعض “الفلول” من المحتجين من دون عنوان واضح للتحرك، وسارعوا الى تنفيذ بعض الأعمال العنفية من تحطيم زجاج وممتلكات والتي دلت الى أنهم جاؤوا لتنفيذ أجندة سياسية محددة، لكن القوى الأمنية تصدت لهم وحالت دون إمعانهم بالأعمال التخريبية.
الحركة الاحتجاجية تحت منزل ميقاتي كانت "غوغائية" أكثر منها مطلبية ولم تلق أي صدى شعبي، خصوصا أن ميقاتي ما يزال رئيسا مكلفا ولم يتسلم مهامه بعد لتحميله أية مسؤولية، كما أنه ليس نائبا عن عكار، وكذلك لا علاقة له بنيترات المرفأ ليشارك أقارب لشهدائه في هذا التحرك، فضلا عن أنه يعمل جاهدا على تشكيل الحكومة ويصر على تدوير الزوايا بهدف وقف الانهيار الحاصل.
من الواضح أن الايجابية التي تخيم على أجواء المشاورات الحكومية قد أزعجت بعض التيارات، فسارع أنصارها بتوجيه منها الى إستغلال كارثة عكار لاستهداف الرئيس ميقاتي لكن هذه التحركات كانت مكشوفة الأهداف ومن دون طائل، خصوصا أن السواد الأعظم من اللبنانيين ينتظرون نجاح الرئيس المكلف في تأليف حكومته كونها تشكل الفرصة الأخيرة للانقاذ قبل الفوضى الشاملة.