تستعد المحكمة الخاصة التي شُكلت لمقاضاة منظمي التفجير بسيارة مفخخة، الذي أسفر عن مصرع رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في وسط بيروت عام 2005، لوقف عملها من دون تقديم إجابات حول مَن أمر بالاغتيال أو لماذا.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير نشرته أمس، إن هذه المحكمة عندما فتحت المحكمة أبوابها في عام 2009 بتفويض من مجلس الأمن الدولي، كانت لديها أجندة عمل طموحة. ولكن بعد أكثر من عقد من الزمن، نفدت الأموال التي كانت تقدمها الحكومة اللبنانية للمحكمة، بينما تقوم الجهات الدولية المانحة بخفض الأموال بشكل كبير.
وبعد مرور خمسة أعوام من التحقيقات والمحاكمة التي استمرت ستة أعوام أخرى -بتكلفة بلغت نحو 800 مليون دولار- أدان القضاة في أغسطس (آب) الماضي مواطناً لبنانياً واحداً فقط هو سليم عياش، لمشاركته في مؤامرة تنفيذ التفجير، مع تبرئة ساحة ثلاثة رجال آخرين.
ووُصف الرجال الأربعة بأنهم أعضاء في «حزب الله»، وحوكموا غيابياً، ولم يتم القبض على أيٍّ منهم، وإذا تم اعتقالهم فربما يتعين عقد محاكمة كاملة جديدة. وفي حين أن الحكم الصادر المكون من 2600 صفحة يتضمن سياقاً سياسياً واسعاً، ووصف المؤامرة بأنها من عمل مجموعة أكبر بكثير، فإن القضاة تجنبوا ذكر مزيد من الأسماء، متعللين بافتقارهم إلى الأدلة الكافية.
وانتقدت الجهات الدولية المانحة، بما في ذلك أنصار المحكمة، الزيادة المُكلفة في عدد الموظفين -بما في ذلك 11 قاضياً متفرغاً وما يقرب من 400 موظف- مع عدم خروج نتائج ملموسة.
ومع بقاء عامين على ولاية المحكمة، يبحث المانحون عن وسيلة لوقف العملية بأقل قدر ممكن من الحرج. ويبدو أنهم وجدوا طريقة «فجة» لفعل ذلك. فقد قال ديفيد تولبرت، مدير عام المحكمة الخاصة بلبنان: «لقد توقفت بعض البلدان عن الدفع هذا العام، أو أنها دفعت أقل مما كانت عليه في الماضي، ويبدو أن الآخرين ينتظرون».
ووفقاً لسجلات المحكمة، أوقف عدد من الجهات المانحة الرئيسية، بما في ذلك بريطانيا وكندا واليابان، تبرعاتها لعام 2021، مما ترك الموظفين في حيرة من أمرهم. وقال تولبرت في مقابلة هاتفية أوائل أغسطس: «لا أحد يُملي عليك رأيه بأنه يتوجب عليك الإغلاق». ولم يستجب ممثلو البلدان المذكورة لطلبات التعليق.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، ومع الخزائن شبه الفارغة تقريباً، اضطر القضاة إلى تعليق المحاكمة الجديدة قبل أيام فقط من الموعد المحدد لبدئها. ولا يزال مصير اثنين من الطعون المعلقة غير معلوم على وجه التحديد.
وبحلول نهاية يوليو (تموز)، فقد 150 من المحامين والمحققين والموظفين، وغيرهم ممن يشكلون أكثر من نصف فريق العمل وظائفهم. وقالت وجد رمضان، المتحدثة باسم المحكمة، إنه اعتباراً من 31 يوليو الماضي، لم تعد هناك أنشطة قضائية حتى إشعار آخر.
ويقول المؤيدون إن محققي المحكمة واجهوا حقل ألغام بالغ التعقيد في محاولة لإيجاد إجابات على مقتل الحريري. وشن «حزب الله»، الذي يعد جزءاً من الحكومة اللبنانية، حملة شعواء ضد المحكمة، وأعاق الطريق أمام التحقيقات، وهدد كل من يتعاون معها. ولم يسمح للمدعين العامين باستخدام المعلومات الاستخباراتية التي سلمها بعض الحكومات الغربية. كما لم تستوفِ أدلة أخرى المعايير المطلوبة في المحكمة. وتراجع بعض الشهود أو انسحبوا، خشية العواقب الانتقامية.
وفي نهاية المطاف، تمكن الادعاء من جمع كمية هائلة من الأدلة، ولكنه فضّل الابتعاد عن محاولة إثبات هوية الشخصية التي أمرت بالتنفيذ. وبدلاً من ذلك، ركّز الادعاء على الأدلة التقنية، مع تعقب سجلات الهواتف المحمولة التي استخدمها العملاء على الأرض قبل الهجوم.
كان الجدل حول التمويل من السمات المتكررة في المحكمة. لكن الاضطرابات الحالية بدأت في أوائل العام الجاري مع تفاقم الأزمة المالية في لبنان. ووفقاً للبنك الدولي، فإن الانهيار الاقتصادي اللبناني يعد من بين أسوأ حالات الانهيار الاقتصادي في العالم منذ منتصف القرن الثامن عشر.
وقالت الحكومة اللبنانية إنها لم تعد قادرة على دفع نصف الميزانية المتفق عليها. وقدمت الأمم المتحدة 15.5 مليون دولار في شكل أموال طوارئ. ولكن لم يتم العثور على منفذ آخر للتمويل يكفي لسد العجز، وقال مسؤولون إنه من المرجح أن تضطر المحكمة إلى الإغلاق بصفة دائمة في وقت ما من العام المقبل، مع أن عملها لم يكتمل بعد.
ومع ذلك، وفي المحكمة نفسها، كان التهديد بالإغلاق الوشيك بمثابة صدمة. وقال نضال جوردي، محامي الدفاع عن الضحايا، إن وقف المحاكمة المقبلة «انتهاك لحقوق الضحايا»، ودعا إلى الشفافية والتوضيح «لسبب قرار الجهات المانحة وقف التمويل».
وقال القضاة في القضية الجديدة إن تحضير المحاكمة ثم إلغاءها كان «غير عقلاني وغير معقول»، وهو بمثابة «إهدار غير عادي للأموال». وقالوا إن الأمر أصبح الآن خارج أيديهم، ويجب أن يعالجه مجلس الأمن الدولي الذي أنشأ المحكمة، ويجب أن يحدد مستقبلها.
وقال الادعاء إن المحاكمة المقبلة كانت ستُلقي مزيداً من الأضواء على نظام القتل السياسي في لبنان، نظراً لأنها تتناول اغتيال شخصية سياسية لبنانية أخرى في عام 2004 ومحاولة قتل اثنين آخرين في الوقت نفسه. لكن الأمور تتركز مرة أخرى على سليم عياش، الرجل الوحيد الذي أُدين في مقتل الحريري، والذي لا يزال مكان وجوده مجهولاً.
ويبدو أن إدارة بايدن تتفق على أهمية العثور على عياش. وفي مارس (آذار)، وصفته وزارة الخارجية الأميركية بأنه «عنصر بارز» في فرقة الاغتيالات التابعة لـ«حزب الله»، وعرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للمساعدة في تحديد هويته أو مكان وجوده.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا