رمال جوني
لم تنفرج على خط رغيف الخبز، بل ازداد الوضع سوءاً، والحصول على ربطة واحدة يحتاج البحث عنها بين دكان وآخر، وبلدة وأخرى، بعدما تراجعت الكمية التي توزعها الافران الى حدود الـ10 بالمئة، وهي نسبة لا تكفي حاجات السوق على الإطلاق، بل تشكل إنذاراً ان الخبز إما سينقطع أو سيتم رفع سعره، وإن كانت الكفة ترجّح رفع السعر وفق ما اشار عدد من اصحاب الدكاكين الذين إضطروا للحصول على الخبز من الأفران لتلبية حاجات الاهالي، بعدما تعذّر على الموزعين الوصول بسبب نفاد مادتي البنزين والمازوت، في حين اشترط بعضهم دفع 5000 آلاف ليرة زيادة على كل فاتورة يجري زيادتها على ربطة الخبز، فيما لو وافق الدكان، ما يعني ان ربطة الخبز قد تسجّل ارتفاعا تدريجيا في الأيام المقبلة، وأن الازمة مرجحة للتفاقم أكثر قبل ان يصدر قرار رفع الدعم نهائياً.
بصعوبة وجد ابراهيم ربطة خبز، تمسّك بها جيدا وكأنه حصل على كنز، فالرغيف بالنسبة للفقراء هو القوت الرئيسي. لم يتمكن بالامس من العثور على واحدة ما دفعه ليطلب ربطتي خبز، الا أن اصحاب الدكاكين فرضوا قانونا جديدا يقضي بالحصول على ربطة واحدة في اليوم، وإن كانت العائلة تحتاج الى اثنتين فلتتدبّر امرها. يأسف ابراهيم الى ما وصلت اليه الأحوال، بات عليه تقسيم نهاره بين البحث عن بنزين والبحث عن خبز، وبينهما يبكي حاله فهو بالكاد يتقاضى 700 الف ليرة، وهو مبلغ بات لا يساوي شيئا، يكفي لفاتورة اشتراك لا يحضر الا 3 ساعات في اليوم. وأكثر ما يقلقه أنه لو تعرّض ابنه الوحيد لعارض صحي "حينها لا ادري ماذا أفعل، لا يكفينا فقرنا الا وتحاربنا السلطة الفاسدة في رغيفنا الصغير. حتى هذا لم يبعدوه عن صراعهم بل وكأنهم يحاولون تجويعنا لننصاع اليهم".
يبدو أن رغيف الخبز دخل على خط البازار السياسي الحاصل، وإن كان السبب الاساسي فقدان المازوت، الذي بات الحصول عليه يتطلّب دفع مبالغ طائلة جدا. فالغالون تجاوز سعره الـ300 الف ليرة والتنكة وصلت الى الـ700 الف ليرة، ما يعني أن الرغيف بات على المحك، بعدما فقد من الاسواق بنسبة 90 في المئة، في حين قلصت الافران التي عملت الكمية الى 10 بالمئة .
لم تحرك ازمة الرغيف الناس حتى الساعة، ولم تدفعهم للاعتراض، يبدو الكل في حالة ترقب، ينتظرون الازمة التالية، والمتوقّعة أن تكون المياه والتي بدأت تباشيرها تخرج للعلن مع توقف عدد كبير من الآبار عن الضخّ بسبب تعذّر ايجاد مازوت، الأمر الذي ينذر بالكارثة الكبرى، اذ سيصبح الحصول على نقلة مياه بمثابة اعجاز وطني كبير.
لم يجد أبو علي ربطة خبز، ذهب يسأل كل من وجد واحدة علّه يستدلّ على دكان يبيعه، غير أن الجواب الذي تلقاه "ما في كلو خلص"، ما دفعه ليقول "الا رغيف الخبز، فهو آخر اوراق الصمود قبل الانفجار".
ثمّة ما يؤشر الى ارتفاع "أدرينالين" الغضب عند الناس بعدما باتت حياتهم كلها مهددة، وسط تسارع وتيرة فقدان السلع من الاسواق وتعذّر شرائها. كل السيناريوات تؤكد دخول الناس العصر الحجري، بعدما بات التواصل مقطوعاً على كل الجبهات، والكهرباء فقط للاثرياء، أما البنزين فتجاوز الخطوط الحمر وسجلت التنكة 500 الف ليرة داخل السوق السوداء، فيما فضّلت المحطات التوقف عن العمل بإنتظار صدور جدول التسعير الجديد. اما المازوت فهو الطامة الكبرى التي دفعت بعدد من الشبان للتحرك امام شركة الكهرباء في النبطية، فيما تولّى فريق آخر مصادرة شاحنة محملة بالمازوت والإحتفاء بالنصر، فالعتمة هدّت كيان الجميع، بالرغم من أن سيناريو اعتراض الشاحنات ينذر بكارثة أكبر، وهو توقف الشركات عن ارسالها مجدّداً. غير أن للشباب رأيا آخر، فهم يعتبرون أن المازوت حق لهم، بدلاً من ذهابه لخزانات تجار السوق السوداء، يؤكدون "أن الاشتراكات كلها أطفأت محركاتها، والناس تنام وتأكل وتعمل على العتمة، وهناك مرضى مهدّدون بحياتهم، كل ذلك يبرّر مصادرتنا للشاحنات"، يقول أحد الشبان الغاضبين، معتبراً "ان الازمة اليوم في ذروتها، وأننا غدا أمام مصير مجهول"، من دون ان ينسى الاشارة الى "ان سيناريو رفع الدعم جاء مثابة اتفاق بين الزعماء لسحب ما تبقّى من فتات اموال متبقّية في الجيوب"، وبتعبير أدقّ يقول طالب إنهم "فرضوا ضرائب عالية مباشرة هذه المرة ولا مفرّ من دفعها لتمويل خلافاتهم الدائرة".
حركات الاعتراض اليوم بدأت تتزايد وتتوسّع، فالناس إختنقت وتحتاج الى جرعة تفاؤل، بعدما نفد مخزون كل شيء، وبات الحصول على علبة دواء او ربطة خبز بمثابة انجاز، وهو ما يشي بأن حبل الصمت تلاشى، وغداً لناظره قريب.