راكيل عتيّق
لا رجوع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لأنه لم يعد هناك من دولارات في المصرف المركزي لتغطية هذا الدعم، والحلّ الوحيد المطروح رسمياً، حتى الآن، للعودة عن هذا القرار والاستمرار في دعم استيراد الغاز والمازوت والبنزين، هو أن يعمد مجلس النواب الى تعديل قانون النقد والتسليف بحيث يُسمح لسلامة باستخدام الاحتياط الالزامي لهذه الحاجة الضرورية. قرار سلامة هذا اعتبره رئيس الجمهورية «حَمّال تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة تنعكس على الصعد كافة». فكيف سيواجهه؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامه، بعد أن استدعى سلامة، من دون أن يُسفر اجتماعه به عن أي نتيجة؟
كان لافتاً أنّ سلامة أصدر البيان الذي أعلن فيه رفع الدعم عن المحروقات بحيث يجري استيرادها وفق سعر الدولار في السوق السوداء، ليل الأربعاء الفائت، بعد انعقاد المجلس الأعلى للدفاع، نهاراً، برئاسة عون وفي حضور سلامة. على أثر هذا البيان، استدعى رئيس الجمهورية حاكم المركزي، أمس الأول، الى اجتماع أكّد خلاله سلامة قراره.
هذا المسار جعل البعض يعتقد أنّ قرار سلامة مُتّفق عليه في المجلس الأعلى للدفاع، أو على الأقلّ أنّ المسؤولين وعلى رأسهم عون تبلّغوا من سلامة هذا الإجراء ولم يحرّكوا ساكناً. وما تحرُّكهم أمس الأول، إلّا لرفع المسؤولية عنهم ورَميها على سلامة، تماماً كما فعل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بنتيجة الاجتماع الوزاري الذي عقده في هذا الخصوص.
من جهة رئاسة الجمهورية، أكد عون أنّ «المجلس الأعلى للدفاع لم يتخذ أي قرار يتعلّق برفع الدعم الذي هو أصلاً خارج اختصاصه». وبحسب مصادر مشاركة في الاجتماع، شرح سلامة الوضع وعرضَ المبالغ التي صرفها لدعم المحروقات في شهر، والتي توازي ما صُرف طوال عام، ومع ذلك لا يجد المواطنون محروقات، لا سيما منها مادة المازوت، وهذا يعني أنّ هناك احتكاراً وتهريباً وتخزيناً. كذلك أكد سلامة أنّ الأموال المتبقية لدى مصرف لبنان بالكاد تكفي لدعم جزء من الأدوية، وبالتالي لا يمكنه الاستمرار في الدفع لاستيراد المحروقات. عندها، سأله وزير الطاقة عن المحروقات إذا جرى تسعيرها وفق سعر السوق السوداء؟ فكرّر سلامة أن «هذا الوضع»، ولا يمكنه أن يفعل غير ذلك، ولم يقُل إنّه سيرفع الدعم، ثمّ غادر الاجتماع وتابع الحاضرون مناقشة موضوع آخر، وإذ به يُصدر بياناً في الليل، يقضي برفع الدعم، من دون أن يكون قد حازَ موافقة المجلس الأعلى للدفاع.
وإزاء قرار سلامة، يدرس عون خياراته على رغم أنّها «محدودة»، واعتمد أحد هذه الخيارات، أمس، بحيث دعا مجلس الوزراء الى الانعقاد بصورة استثنائية للضرورة القصوى بالاتفاق مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، في جلسة تخصّص لمعالجة «التداعيات والذيول الخطيرة لأسباب أزمة عدم تَوافر المشتقات النفطية على أنواعها في السوق المحلية وانقطاعها». لكن دياب رفض ذلك، ولم يتجاوب مع دعوة عون، بحجّة أنّ الدستور لا يُجيز لحكومة تصريف الاعمال الانعقاد.
بعد رفض دياب عقد جلسة لمجلس الوزراء لكي تتحمّل الحكومة مسؤوليتها إزاء هذه الازمة التي قد «تقتل» البلد، هناك خيار آخر على طاولة عون، وهو أن يوجّه رسالة الى مجلس النواب لكي يضع النواب أمام مسؤولياتهم لتعديل قانون النقد والتسليف، إذ يُمكن تعديل القانون إمّا باقتراح قانون يُقدّمه عدد من النواب أو بمشروع قانون تُرسله الحكومة الى المجلس. لكن هل يدعو بري مجلس النواب الى عقد جلسة لـ»تشريع» الصرف من الاحتياط الالزامي لدى المصرف المركزي، علماً أنّ كتلاً نيابية عدة تعارض المسّ بهذا الاحتياط؟
بالنسبة الى قريبين من عون «لا أسوأ من هذا الظرف، فكلّ شيء في البلد متوقّف ومغلق، ويجب الإجازة لسلامة صرف جزء من الاحتياط الالزامي»، وإذ يقرّون أنّ سلامة «مُحقّ» في قوله إنّه سبق أن حذّر الحكومة، ومنذ عام 2020، يعتبرون أنّ أحداً لم يتحمّل مسؤولياته، وأنّ هذه الحكومة كابَرت كالعادة، فضلاً عن أنّ قرارها بالتوقف عن دفع الديون السيادية «كان قراراً خطيراً أوقَعَنا في «الحفرة الكبيرة» وأوصَلنا الى هذا الوضع». ويقولون: «الخيارات محدودة، هذا ما يمكن أن يفعله رئيس الجمهورية، وإذا لم يتجاوب أحد لا نعلم ما ستكون ردة الفعل في الشارع».
في المقابل، ترى جهات سياسية معارضة أنّ المشكلة في هذا الفريق الحاكم القائم، وأيّ حلول غير مجدية في ظلّه، والمدخل الى الحلّ برحيله، فيما يرى البعض أنّ المدخل الى الحلّ يكمن في تأليف حكومة فوراً، تباشر الاصلاحات وتتفاوض مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، فيما لم يُعقد لقاء بين عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي أمس، ويُرتقب أن يزور الاخير القصر الجمهوري الأسبوع المقبل لاستكمال التأليف، وذلك لأنّ التوزيعة الوزارية التي اتفق عليها الرئيسان تتطلّب بعض «الشَدشَدَة» التي يُعمل عليها في نهاية هذا الأسبوع، إذ ما زال هناك بحث حيال حقيبتين أو ثلاث، كذلك تتطلّب أسماء الوزراء تحضيراً لكي يجري إسقاطها على الحقائب، وقد يجري ذلك الاثنين.
وفي التوزيعة التي حُسمت واتفق عون وميقاتي عليها، لم تُعتمد المداورة في الحقائب السيادية الأربع، بل اعتُمد التوزيع نفسه المُعتمد في حكومة دياب، أي وزارتي الخارجية والدفاع للمسيحيين، ووزارة الداخلية للسنة ووزارة المال للشيعة، هذا علماً أنّ عون كان يرغب في المداورة الشاملة انطلاقاً من عدم تكريس أي وزارة لأي طائفة، لكن تعذّر إعطاء وزارة المال لغير الشيعة فَرمَلَ المداورة، إذ «لا يمكن الّا ان تُعتمد على الشيعة وتُعتمد على بقية الطوائف». وتم الاكتفاء باعتماد المداورة في بقية الوزارات الأساسية والخدماتية والعادية، وحُلّت مسألة وزارة الشؤون الاجتماعية بحيث بقيت من ضمن حصة رئيس الجمهورية وأُعطي رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وزارة أخرى وازِنة. وتبقى عقدة اسم وزير المال، الذي طرح بري أن يكون مدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف خليل، فيما يرفض عون ذلك، انطلاقاً من أنّ مصرف لبنان يخضع للتدقيق الجنائي، ويجري الآن العمل على حلّ هذه المعضلة، بحيث يقدّم «الثنائي الشيعي» إسماً آخر أو أسماء أخرى، ويتولّى ميقاتي متابعة هذه النقطة مع بري.
حتى الآن، إجتاز التأليف «القطوع الصعب»، والمشكلات الكبيرة التي كانت تعترضه انتهَت، بحسب معنيّين، ويقولون: «هناك عمل، إذا انتهى قد تبصر الحكومة النور الأسبوع المقبل».