جويل رياشي
«تقنين» باتت الكلمة الأكثر تداولا في لبنان هذه الأيام، وتنحصر في قطاع الطاقة من حكومية عبر تأمين الكهرباء من قبل الدولة، وغير حكومية وتتعلق بتأمين الكهرباء من قبل القطاع الخاص المعروف بـ «المولدات».
التقنين الرسمي للكهرباء يجعل تأمين التغذية بها لا يتعدى الثلاث ساعات يوميا حدا أقصى، في حين ان تقنين المولدات يتفاوت بين منطقة وأخرى، وصولا الى القطع التام كما حصل في ضاحية حبوب بمدينة جبيل، حيث أبلغ صاحب أحد المولدات المشتركين لديه برسالة نصية عبر تطبيق «واتساب» بأن مادة المازوت نفدت من مخزونه، وبالتالي أعلن توقف الخدمة التي كان يوفرها.
الأمر تعدى صاحب مولد يفتقد مادة المازوت التي تغذي المولدات، وصولا الى شركة كهرباء زحلة التي حذرت في بيان «من العتمة الشاملة لـ 16 بلدة» في قضاء زحلة بالبقاع جراء نفاد مخزونها من مادة المازوت.
ومعلوم ان شركة كهرباء زحلة اشتهرت بشعارها «كهرباء 24/ 24»، وكانت مضرب مثل لقطاع الطاقة الخاص في لبنان.
بدورها، لجأت شركة كهرباء جبيل صاحبة الامتياز الخاص لتأمين الكهرباء في قضاء جبيل (منذ بداية خمسينيات القرن الماضي)، الى تقنين بواقع ثلاث ساعات يوميا، جراء تلف أحد مولداتها في بلدة عمشيت، فضلا عن ترشيد الانفاق في مادة المازوت، إلا ان القيمين على الشركة المذكورة كرروا النداء الى المستهلكين بضرورة ترشيد إنفاق الطاقة التي تتسبب بضغط على المولدات الخاصة بالشركة، وهي المشكلة الرئيسية والتي تتقدم على توفير مادة المازوت، ذلك ان إدارة الشركة دخلت أخيرا قطاع النفط بشراء مالكها ايلي باسيل شركة «وردية» للمحروقات، وفتح محطاتها في كل المدن والقرى اللبنانية أمام المستهلكين، وبالتالي تم تحقيق (نوع من) انفراج في أزمة المحروقات.
يتعدى القلق اليوم غياب مادة المازوت لإنتاج كهرباء المولدات، ويطول «الغد» حيث ستتوافر المادة بأسعار غير مسبوقة، بعد رفع الدعم الرسمي عن المحروقات، وستغدو إنارة المنازل بالكهرباء ترفا، وستتكرر الحكايات عن الدراسة على ضوء الشمعة، وتعذرها للطلاب غير الميسورين على المصابيح، كما في الأفلام التي تحكي يوميات المناطق النائية في القارة الأفريقية.
وليس من داع للتذكير بأن أشياء كثيرة ستتبدل مع رفع الدعم عن أسعار المحروقات، ذلك ان غالبية مقومات الحياة ترتكز على قطاع النفط.
واللافت هنا ان البعض شرعوا في البحث عن «حلول مستدامة» لأزمة الطاقة، لإنتاج كهرباء يدفعون ثمن معداتها الاولية مرة واحدة (مع احتساب تكاليف الصيانة الدورية).
الأمر المتاح بقدرة انتاج معينة عبر الطاقة الشمسية بألواح ترفع على سطوح المنازل والأبنية، وتتراوح كلفتها بين ألفي دولار أميركي وثمانية آلاف حسب الطاقة التي يرغب المشترك في توفيرها للاستخدام.
في هذا الإطار، يتحدث ميشال خيرالله الذي أنشأ شركته الخاصة لتوفير خدمات الطاقة الشمسية، على هامش عمل والده في قطاع الأدوات الصحية.
وحقق الشاب نجاحا لافتا في مبادرته، لكنه اصطدم بعدها (كما كل القطاعات التجارية) بانهيار سعر العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، إلا انه وجد بابا جديدا عبر توفير الطاقة البديلة التي تعتمد بدورها على «الدولارات الطازجة للميسورين». وهو يؤكد «ان هذا الحل مستدام، لكنه لا يلغي الاستعانة بخدمات المولد تماما، خصوصا في فصل الشتاء حيث تخف اشعة الشمس لتغذية ألواح توليد الطاقة».
وعن العقبات التي يواجهها مع زبائنه في اعتماد هذا الحل المبتكر لمواجهة ازمة انقطاع التيار الكهربائي، يقول: «سطوح الابنية ليست كلها مجهزة لاستقبال هذا النوع من المعدات، أي اننا احيانا لا نجد المساحة الكافية لتركيب المعدات، فسطح المبنى يجب ان يقسم على كل السكان مما يجعل المساحة المتاحة لنا ضيقة في معظم الأحيان».
تذكير ان القانون العام اللبناني يحرم استخدام طاقة بديلة من كهرباء ومياه من غير تلك التي توفرها الدولة.
لكن النصوص وضعت جانبا، وغذت المولدات الأحياء وباتت علامة مسجلة للشركات المالكة امتياز توفير الخدمات في بعض الأقضية، ولموزعي مياه بشبكات خاصة وأصحاب صهاريج «تانكر».
توفير المقومات الحياتية البديهية من كهرباء ومياه وما يدور حولهما من خبز ونقل ودواء بات محصورا بمن يصح إطلاق لقب «ميسور» عليه في «هذه الأيام اللبنانية غير المعهودة».