راكيل عتيق
بعد عام على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وتَعذّر تأليف الحكومة، واعتذار رئيسين كُلِّفا التأليف، باتَ من الصعب التصديق أنّ التأخير في التأليف سببه عدم التوافق وغير مرتبط بإرادة داخلية أو أخرى خارجية أو الاثنتين معاً. دخول تكليف الرئيس ميقاتي أسبوعه الثالث من دون حسم العُقَد الحكومية، يُعزّز هذه الفرضية أيضاً، علماً أنّ معنيين يؤكّدون أنّ الحكومة يمكن أن تبصر النور في دقائق، إذا كان هناك إرادة لولادتها من الأفرقاء المعنيين مباشرةً بالتأليف. هذا فيما انتقل التواصل المباشر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وميقاتي، الى الاتصالات غير المباشرة بين الفريقين لحلّ عقد عالقة، أبرزها توزيع الوزارات الأساسية والخدماتية، ويرتبط التواصل المباشر بين الرئيسين ولقاؤهما السابع بوصول هذا التواصل غير المباشر بينهما الى نتائج عملية.
حتى بعد ظهر أمس لم يطلب ميقاتي موعداً للقاء عون، فيما لا تزال الاتصالات غير المباشرة بين فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، التي حصلت في نهاية الأسبوع المنصرم، مفتوحة ومستمرّة، لحلّ النقاط الحكومية العالقة والتي تحتاج الى بلورة أكثر، ومن بينها توضيحات من جانب رئاسة الجمهورية، يجري البحث فيها.
وفيما بدأ أمس تداول أخبار عن أنّ عون طلب من ميقاتي في لقائهما الأخير 12 مقعداً وزارياً في حكومة من 24 وزيراً، نفى المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية هذا الخبر. وبحسب مصادر مطّلعة على لقاءات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، إنّ ما طلبه عون خلال النقاش في لقائه الأخير مع ميقاتي، هو أن يجري التوافق بين الاثنين على الحقائب الوزارية وأسماء الوزراء، إن كان الـ12 المسيحيين أو الـ12 المسلمين، ولم يَقل عون أي كلام يفيد أنّه يريد 12 مقعداً وزارياً، فيما هذا الكلام غير منطقي بل مجرد لعبة تشويش للإساءة الى رئيس الجمهورية الذي يعلم أنّ هناك مقاعد وزارية مُخصّصة لمسيحيين لن تكون من حصته، فهناك 4 وزراء لتيار «المردة» والارمن والحزب «السوري القومي الاجتماعي»، فضلاً عن أنّ هناك اتفاق بين الرئيسين على أن لا ثلث معطّلاً لأيّ فريق في الحكومة وعلى توزيعة «التْلاث تْمَانات»، وهذه القواعد محسومة.
أمّا النقاط العالقة الآن، والتي يجري التواصل غير المباشر حولها والبحث فيها، فأوّلها توزيع الوزارات الخدماتية، وذلك بعد إصرار رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على الحصول على وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي كانت من ضمن حصّة عون وفق التوزيع السابق لهذه الحقائب، إذ عُرِض على جنبلاط وزارات أخرى لكنّه يفضّل وزارة الشؤون. وبالتالي، إنّ إعطاء جنبلاط هذه الوزارة «يُخربِط بازل التشكيلة»، لذلك تجري عملية تدوير الزوايا في توزيع الحقائب الاساسية والخدماتية والتي تأخذ وقتاً، إذ إنّ أي تغيير أو تبديل يطرأ على التوزيعة يؤدّي الى خللٍ فيها، ويتطلّب إعادة التوزيع مجدداً للوصول الى توزيع عادل.
كذلك، بحسب مصادر مطّلعة، يطالب الأفرقاء الشيعة بوزارات عدة ومن ضمنها وزارة الزراعة، فيما يطالب آخرون بوزارة الصحة أو الاشغال، وبالنسبة الى رئيس الجمهورية إنّ هذه الوزارات الخدماتية تتطلّب توزيعاً عادلاً، فإذا جَرت أي «خَربَطة» بإعطاء أي جهة وزارة معينة، عندها تتطلّب «البازل» ترتيباً آخر لتوزيع الوزارات. ولا يزال البحث الجاري في مرحلة الوزارات الخدماتية، فيما هناك توجه عام لإبقاء توزيع الوزارات السيادية كما هو، علماً أنّ الحقائب السيادية جزء من «الباكيج» والاتفاق كَكلّ، وسينعكس الانتهاء من توزيع الحقائب الخدماتية إيجاباً أو سلباً على توزيع الحقائب السيادية. وفي حين سَبقَ أن اتّفق عون وميقاتي على المداورة في الحقائب الخدماتية والاساسية والعادية، يبقى المهم بالنسبة الى عون التوازن في توزيع هذه الحقائب. وبالتالي، هناك طرحان على طاولة البحث الآن، إمّا إبقاء التوزيع نفسه فلا يعترض أحد من الأفرقاء على الحصة التي ينالها، تحديداً نوعاً، وإمّا إعادة التوزيع بنحوٍ عادل لا يَشوبه خلل بحيث يحصل فريق على وزارتين خدماتيتين أو ثلاث، ويحصل فريق آخر على وزارة خدماتية أو لا يحصل على أيٍّ منها، ويدور النقاش الآن حيال هذين الطرحين، وتجري عملية تدوير الزوايا بين هاتين النقطتين.
أمّا كلّ ما عدا ذلك من «معلومات مُفبركة أو تركيبات»، عن طلبات لعون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وعن فيتوهات يفرضانها، فهي بهدف رمي التعطيل على عون - باسيل، بحسب «عونيين».
ويقول هؤلاء: «بدلاً من أن يركّزوا على تَمسُّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بمدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف خليل ليتولّى وزارة المال، فيما أنّ هناك تدقيقاً جنائياً يخضع له مصرف لبنان، وخليل أحد المسؤولين المعنيين المباشرين بالتدقيق وبالعمليات المالية، وكأنّ لم يعد هناك شخصيات شيعية إلّا يوسف خليل، يُصَوّبون على عون وباسيل. لذلك، عدنا الى «النّغمَة نفسها»، علماً أنّ رئيس «التيار» لا يتدخّل بعملية التأليف ولا تواصل بينه وبين ميقاتي، أمّا الرئيس عون فيتشاور مع ميقاتي لتأليف حكومة متجانسة بتوزيعٍ عادل للحقائب كلّها».
أمّا على صعيد الاتصالات الخارجية المتعلّقة بالتأليف، فلا تواصل مباشر بين عون والفرنسيين أخيراً، بل عبّر الفرنسيون خلال بعض الاتصالات مع فريق سَبَق أن شكّله عون لهذه الغاية، عن رغبتهم في التعجيل في تأليف الحكومة انطلاقاً من أنّ التأخير في التأليف مؤذ، وهم يريدون وضع قرارات مؤتمر باريس قيد التنفيذ فيما تأخير التأليف يؤخّر ذلك. ويَجزم «عونيون» أنّه لم يحصل أيّ اتصال مع باسيل الذي «لا يتدخّل في التأليف».