إيلي الفرزلي
البطاقة التمويلية تحوّلت إلى مُخدّر يُستحضر كلما ازداد الضغط على الناس. هذه المرة، يفترض اللجنة الوزارية المعنية أنجزت معايير الحصول على البطاقة، على أن يعلنها رئيس الحكومة سريعاً. التسجيل سيتم إلكترونياً وتقييم الطلبات كذلك. لكن اللجنة الوزارية لم تحسم أموراً جوهرية تتعلق بعمل البطاقة. فلا حسمت عملة الدفع (دولار أو ليرة)، ولا حسمت آلية الدفع (المصارف أو ويسترن يونيون أو وكالات الدفع المحلية)، لكنها لم تتردد بتخفيض المبلغ المستحق لكل فرد، فصار 15 دولاراً، بدلاً من 18 دولاراً. ولكي تحافظ على الحد الأقصى الممكن لكل عائلة استحدثت 11 دولاراً لمن هم فوق 75 سنة
البطاقة التمويلية صارت النفس الأخير الذي قد يسمح بإبقاء نصف الأسر اللبنانية على قيد الحياة (نحو 500 ألف أسرة). بعد التضخم المفرط الذي أدى إلى تآكل كل المداخيل، لم يعد يُرتجى من هذه البطاقة أكثر. فقط العيش. لكن حتى ذلك يبدو صعب المنال. فالبطاقة لا تهدف، فعلياً، إلى تعويض ما خسره أو سيخسره الناس من جرّاء إلغاء الدعم، بل يُراد منها بيع الوهم لهم، وشراء المزيد من الوقت، بانتظار حلول تقع في خانة المجهول، أو على الأرجح بانتظار تحويلها إلى رشوة انتخابية.
الحديث عن البطاقة طال، من دون أن تتحول إلى واقع. منذ أن نالت حكومة حسان دياب الثقة في شباط 2020، والاجتماعات تُعقد لبحث مسألة بطاقة الدعم التي يُفترض أن تُعوّض الارتفاع الكبير (حينها) في الأسعار، وتضبط في الوقت نفسه عملية صرف الدولارات من مصرف لبنان، علماً أن الدولار في ذلك الوقت كان وصل إلى 2300 ليرة.
اليوم بعد أكثر من سنة ونصف، صارت الحكومة تملك تصوراً أولياً للمشروع، لكن الأوان قد فات، فلا الدولارات بقيت، بعدما استفادت منها مافيات المحتكرين، ولا رفع الدعم انتظر إقرارها، كما كان يؤكد رئيس الحكومة مراراً («لا رفع للدعم قبل إقرار البطاقة»). ما حصل أن الدعم رُفع وتُرك الناس فريسة تضخّم غير مسبوق، سيؤدي بهم إلى الجوع، إذا لم تُقر البطاقة اليوم قبل الغد، من دون أن يعني ذلك أن الآمال بالبطاقة كبيرة. هي البحصة التي ستسند الخابية لا أكثر.
في المقابل، فإن اللجنة الوزارية التي نصّ عليها قانون البطاقة، ومهمتها وضع معايير وآلية الاستفادة من البطاقة (برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء المالية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية)، كانت تدور في حلقة مفرغة. وبعد أن كادت الاقتراحات غير الواقعية، لا سيما التي قدّمها وزير الاقتصاد، تؤدي إلى تطيير الاجتماعات، تولّت رئاسة الحكومة المهمّة، فقدّمت مسودة شاملة تتعلق بآلية التطبيق (تحديد المستفيدين، طريقة تقديم الطلب، طريقة الدفع…).
بطاقة انتخابية
المشكلة الأساس أنه حتى بعد إنهاء اللجنة لعملها أمس وموافقتها على المسودة المقترحة، بعد إجراء تعديلات طفيفة عليها، فإن آلية التنفيذ لن تحتاج لأقل من ثلاثة أشهر (يفترض أن يملك المتقدم هوية شخصية، وعلى أن وزارة الداخلية أن تنجز الهويات قبل نهاية العام)، بما يعني الدخول في العام الجديد، عام الانتخابات. هل هذه هي الخطة في الأساس؟ هل المطلوب أن يكون أبسط حقوق الناس رشوة انتخابية؟
من يعرف معدن الطبقة السياسية، يُدرك أن الإجابة البديهية هي نعم. ليس همّ أحد تخفيف وجع الناس وجوعهم. الهم الأساس ضمان العودة إلى البرلمان، على ظهر هؤلاء الجائعين المحرومين من أبسط حقوقهم.
بالنتيجة، فإن البطاقة، التي صار يوجد آلية للاستفادة منها، تستهدف 505000 أسرة، بعد أن استثنى القانون، الذي أقره مجلس النواب في 30 حزيران الماضي، المستفيدين من برامج أخرى، أي برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً وبرنامج شبكة الأمان الاجتماعي، واللذين قُدّر عدد المستفيدين منهما بـ245 ألف أسرة. كذلك، خفض متوسط المبلغ الذي تحصل عليه كل أسرة من 136 دولاراً إلى 96 دولاراً بحجة توحيد قيمة المبالغ المقدمة من مختلف البرامج.
وبسبب الحجة نفسها، قررت اللجنة أمس، بناء على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية، تخفيض حصة الفرد من 18 دولاراً إلى 15 دولاراً، بما يجعل الحد الأدنى للمبلغ الذي تحصل عليه أسرة مؤلفة من شخص واحد 40 دولاراً (15 دولاراً نقداً للفرد زائد 25 دولاراً تحويلات تكميلية تخصص لشراء المواد الغذائية). لكن وفق هذه المعادلة، فإن الحد الأقصى لكل أسرة مؤلّفة من 6 أفراد سيكون 115 دولاراً، أي بما يقل بـ11 دولاراً عن الحد الأقصى الذي كان مقرراً. ولذلك كان المخرج، بإضافة 11 دولاراً للأسرة التي تضم فرداً يزيد عمره على 75 عاماً.
بحسب قرار اللجنة، سيُموّل البرنامج (قدرت كلفته بـ556 مليون دولار) من خلال إعادة توجيه نحو 300 مليون دولار من مشروع الطرقات والعمالة الممول من البنك الدولي، إضافة إلى 300 مليون دولار أخرى ستُقتطع من حقوق السحب الخاصة التي سيحصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي (860 مليون دولار). اللجوء إلى حقوق السحب الخاصة أتى بعد رفض مصرف لبنان تمويل ما تبقى من كلفة البطاقة، علماً أن هذه المسألة سبق أن نوقشت في مجلس النواب. إذ طالب حينها النائب حسن فضل الله بعدم «مس المبلغ من دون قانون يُقرّ في مجلس النواب»، معتبراً أن المال يجب أن يُصرف ضمن خطة تعافي اقتصادي مالي متكاملة. وهو ما أيده الرئيس نبيه بري.
منصة «معك»
النقاش الأساسي في اللجنة يتعلق بتحديد المستفيدين. وقد تقرر اعتماد منصة «Impact» التي يديرها التفتيش المركزي كمنصة تسجيل للراغبين في الاستفادة من البرنامج، علماً أن هذه المنصة كانت أثارت أسئلة عدة، بعد أن اعتبرها الأمن العام غير آمنة. وفيما سارع رئيس الحكومة إلى تشكيل لجنة برئاسة وزير الاتصالات وعضوية عدد من ممثلي الأجهزة الأمنية لبحث الشكوك المتعلقة بعملها، لا سيما لناحية استضافة خوادمها في ألمانيا، وتشغيلها عبر هبة غير موافق عليها قانوناً، انتهى الأمر بتوقّف وزير الاتصالات عن دعوة اللجنة قبل اتخاذ القرار.
بالنتيجة، تجاوزت اللجنة الوزارية هذه الإشكالية وقررت أن يكون التفتيش المركزي مُشرفاً على إدارة المنصة الخاصة بالبرنامج («معك»)، على أن تحتوي على معايير الاستبعاد. فبمجرد استكمال التسجيل الإلكتروني من المتقدم يعمل البرنامج على استبعاد المستثنين بطريقة آلية ومن دون أي تدخل بشري (اختبار الثراء بدلاً من تحديد الطبقة الأكثر حاجة). علماً أنه في ضوء النتائج النهائية (عدد وحجم الأسر والأموال المتاحة) تحدد إلكترونياً المبالغ التي يتعين دفعها للأسرة الواحدة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللجنة لم تحسم بعد ما إذا كان المبلغ سيدفع بالدولار كما سبق أن تقرر أو بالليرة على سعر السوق، حيث لا يزال مصرف لبنان يصر على الخيار الثاني.
هؤلاء «لا يستحقون» الدعم
وإضافة إلى استثناء الأسر المستفيدة من برنامج آخر، يُستثنى من الحصول على البطاقة التمويلية:
- كل أسرة مقيمة حالياً في لبنان لفترة تقل عن ستة أشهر متواصلة في العام، باستثناء من هم دون الـ23 عاماً.
- الأسرة التي يفوق دخلها السنوي الإجمالي مبلغ 10 آلاف دولار أو ما يعادلها بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، مهما كان مصدره.
- الأسرة التي يفوق إجمالي ودائعها المصرفية 10 آلاف دولار بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، أي ما يقارب وديعة مصرفية بقيمة 50 ألف دولار مصرفي، أو 200 مليون ليرة على سعر 20 ألفاً للدولار.
- الأسر التي تدفع بدل إيجار سنوي يزيد على 3500 دولار نقداً أو ما يعادله بحسب سعر الصرف في السوق الموازية.
- الأسرة التي تملك سيارتين أو أكثر، سُجل أحدها بعد العام 2018 ويعود تاريخ صنعها للعام 2017 وما بعده.
- الأسرة التي تستعين بخدمات مدبّرة منزل أو أكثر.
إضافة إلى هذه المعايير، طرحت مسألة استثناء من يستفيد من التعميم رقم 158 الصادر عن مصرف لبنان (الحق بسحب 800 دولار شهرياً)، انطلاقاً من أن هذا الأمر كان بحث في مجلس النواب قبل إقرار القانون. لكن بحسب تلك المداولات، فقد كان واضحاً أن النواب رفضوا الخلط بين الأمرين، على اعتبار أن من يستفيد من التعميم يحصل على بعض أمواله، ولا علاقة للبطاقة بذلك. وعليه، ولما كانت اللجنة الوزارية قد حددت استثناء المودعين الذين يملكون ما يزيد على 10 آلاف دولار من الاستفادة من البطاقة، فقد تقرر اعتبار المستفيدين من التعميم والذين يملكون حساباً تقلّ قيمته عن 10 آلاف دولار مستفيداً من البطاقة.
لم تحسم طريقة الدفع بعد، لكن اتفق على اعتماد واحد من ثلاثة خيارات هي:
- من خلال المصارف، على أن يتم تحويل مستحقات المستفيدين من البرنامج نقداً وتصرف من خلال أجهزة الصراف الآلي.
- من خلال شبكة تحويل الأموال المحليين و»ليبان بوست».
- من خلال خدمة «ويسترن يونيون» (يعتمد هذا الخيار على اتفاقية مبرمة بين ويسترن يونيون وبرنامج الأغذية العالمي، كما يتطلب تنازل الشركة عن رسوم يفرضها وكلاؤها المحليون قيمتها 2 في المئة من إجمالي المبلغ المحوّل).
وفي مجمل الحالات، ينص الاقتراح على أن يدفع «المكون الغذائي» (25 دولاراً لكل أسرة) عبر بطاقة إلكترونية مسبقة الدفع يمكن استخدامها عبر شبكة من المؤسسات التجارية المتعاقد معها من قبل برنامج الأغذية العالمي وعددها 520 متجراً.