إستردّوا الدولة من غاصبيها
إستردّوا الدولة من غاصبيها

خاص - Sunday, August 8, 2021 7:00:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

في الرابع من آب 2020 انفجرت بيروتُ بلبنان كلِّه... فاتحد الهول في النفوس واستطرقَ الدمعُ مجاري العيون، ولبس الأرز حزنه من ضباب الوديان، واتحد أحمرا العلم حتى طَمَسا المساحة البيضاء المتبقيةَ من أمل. يومذاك أسمعت الأرضُ الغيومَ كيف يكون الرعد الرهيب، واختال العصف على عواصف الطبيعة، وأثبت حقراء من الناس جحودهم لأفضال السماء، بأن جعلوا السماد بركانًا والأرض منصة إطلاق، والزرع يبسًا، والفرح بؤسًا، والعمر مراحل من الكوراث. ولكنه على الرغم من هذا كان يوماً للوحدة؛ فحيال الفجيعة يكون البكاء عنوان الصدق، وتكون القلوب مقامات العزاء البريء من الرياء.

في الرابع من آب 2021، اختلفت المشاهدات وظهرت الروزنامات المبيتة، كأن العام الفائت المشبع بالفراغ والانهيار والإفقار والإذلال والإظلام والتجويع، كان متسعًا للأحزاب التي لا تموت كما لو كانت من صنف فوق بشري، أو تحت حيواني، ولا تنظر إلى الكوارث إلا كفرصة استثمار. هكذا كان الوطني الحر سباقًا فأقام قداسه ليلة الذكرى، وانتبذت الكتائب من المرفأ مكانًا قريبًا وأقامت في باحة بيتها لقاءها تكريمًا للشهداء وأمينها العام، ونصبت القوات احتفالها في مناطقها التاريخية واستُنفرت في وجوه من جاءوا يذكّرونها بشعارات الحرب الأهلية، فقابلتهم بما لا يقل عنها، وتطوع مقرىء فتلى الذكر الحكيم ووجه دعاءه إلى رب العالمين، ثم كان القداس المهيب برئاسة غبطة البطريرك في مراسم كنسية بحتة، تميزت فيها العظة عن اللون الطائفي. وسرعان ما عادت إلى ذاكرتي مشاهد الراهبات يرسمن إشارات الصليب على ضريح رفيق الحريري وينحينن خاشعات على صدى المصحف المرتل، فاعترتني الخيبة لأن ذكرى المرفإ تحولت إلى قطعة بيتزا محدودة الحجم، تقاسمها الأكلة بصورة سلمية، لولا ما أضيف إليها في آخر الليل من فلفل حار من مبتكرات التكسير والقنابل، إذ لا تحلو المشاهد الوطنية إلا بتلك الخواتيم الهمجية المطرّزة بلهاث المراسلين وجزع المصورين، وأناقة المذيعين، وسموم المحرّضين المتعجرفين. كما لم لم يفتنا أن الحزب والحركة آثرا الانسحاب جنوبًا إلى الحسينيات، حفاظًا على مساحات التباعد التي فرضها وزير الصحة منعًا من انتشار العدوى.

ولكن ذكرى الرابع من آب كانت منصة كونية لبثِّ عارنا على ملْءِ البشرية، فواخجلتاه من مؤتمر دولي لمساعدة لبنان بفتات الإغاثات الخالية من العروبة، يفتتحه الداعي إليه الرئيس ماكرون بلوم رئيسنا علنًا، بحضوره المتلفز، ويحثّه على تأليف الحكومة بغير إبطاء، ويلفته إلى أن هذا المؤتمر لن يحرّر شيكًا على بياض، فيما أقل الكرامة الوطنية يقتضي أن يكون رئيس الحكومة بجانب الفخامة يؤكدان معًا أن حكومة لبنان الجديدة خليقة بهذا الشيك أو ببعضه على الأقل.

أيها الأصدقاء، يا سامعي الناقوس، أيها المتألمون واليائسون، أيها الرافضون والمصممون ، أيها الآملون باستعادة السابع عشر من تشرين 2019، أرجو أن تصل كلماتي الأخيرة إلى كل أذن، وأن تدخل إلى كل وجدان، وأن تدور في كل عقل.. أنتحل قول يسوع وأستشهد بكلام الله، الحق الحق أقول لكم.. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَوْن إني لأعتقد صادقًا بأننا عبثًا نحاول استنساخ تلك الانتفاضة التاريخية، وعبثًا نحاول استغلال المناسبات لإحيائها على الشكل الذي ظهرت عليه، لأن فرادتها وعظمتها أنها لم تكن من إعدادنا، ولا مسبقة الترتيب أو التركيب، بل كانت الماء الذي انبجس من زلزلة الصخور، والصدق المصفى والتعبير الأرقى من السياسة، إنها اللوحة التي أبدعتها الريشات العبقرية، فهل رأيتم بعد ذلك نسخة مقلدة تضاهي الأصل؟

أيها الرافضون والمصممون، إن السابع عشر ذاك دليل على حيويتكم، ومقدرتكم على الابتكار، فلتنوعوا الوسائل، ولتحاكوا تجارب ناجحة حصلت لدى شعوب أخرى، ذلك أن التظاهر تثاقل حتى وهنت منه العظام، وقطع الطرقات موصوف باسمه وأنتم لستم قطاع طرق، والتكسير والفوضى وسيلة النظام يحرضكم عليها لتنجزوا له ما هو عاجز عن إنجازه، كما أن شعار "كلّن يعني كلّن" يغلب فيه الغيظ على الأناة. أنا لا أدعوكم إلى الاستكانة والاستسلام، لكنني أقدّم اقتراحًا قد تطوّرونه إلى أحسن أشكاله، وتراكمون فوقه أفكارًا جديدة، خلاصته، أنه آن لنا أن نظهر لأصدقاء لبنان وأشقائه والمجتمع الدولي برمته جدارتنا وحقنا باسترداد الدولة من غاصبيها وأن نظهر وعينا الرصين لحقيقة أزماتنا المتوالدة، وأن نعلن لهم أنه آن الأوان لنا أن نخرج من دوامة النزاعات الإقليمية والدولية، وأننا نقيض إسرائيل العنصرية، وأننا دولة تبحث عن أرقى أشكال الإنماء باللامركزية الموسعة، فليخطَّ أحد منكم أو أي مراهق طاهر من أبنائكم سطرين بهذا المعنى، ولتذهبوا بالبنات والشبان والأطفال والكهول والعجزة في مظاهرة من نوع جديد ولتطرقوا أبواب العالم بعريضة بهذا المعنى تحمل تواقيع الملايين، تُرفعُ إلى الأمين العام للجامعة الدول العربية والأمين العام للأمم المتحدة الذي أعرف مدى حبه للبنان، وإلى المحافل الإنسانية والثقافية بل إلى حيث يصل الصدى، لأنه يحق لكم ولنا أن نرفد حركتنا الداخلية بمؤازرة عربية وصديقة فعلها شعب مصر قبل ذلك .. ونحن نستطيع فعلها أيضًا.

تراني من أهل الخيال؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني