أنطوان الأسمر
من الصعب مقاربة التوتر عند الحدود مع اسرائيل بمعزل عن التطورات في المنطقة. فالكاتيوشا اللقيطة التي زادت وتيرتها في الأسابيع الأخيرة، وجدتها تل أبيب ذريعة مناسبة لغارات طائراتها في عمق الجنوب ليل الخميس الفائت، وهي سابقة منذ حرب العام 2006.
بالتأكيد، ليس الرد الإسرائيلي في أرض خلاء محدودا في الشق العسكري. هو إستدراك لقواعد الإشتباك التي نجمت عن تلك الحرب، وترجمة لرغبة دفينة وملحة في تعديلها وتثبيت أخرى أكثر طواعية لها.
ولم يكن مفاجئا، والحال هذه، مسارعة حزب الله الى الرد الصاروخي صباح الجمعة، انطلاقا من توازن الصيغ ومقاربته لما يسميه معادلة الردع.
لكن الخطير في الأمر، أن تطورات الساعات الأخيرة سيسجّلها مجلس الأمن خرقا متبادلا للقرار الدولي 1701، وقد يذهب حد إتهام حزب الله باستخدام مناطق مأهولة لاطلاق الصواريخ خلافا لمنطوق القرار.
كما تأتي تلك التطورات عشية البحث في التجديد السنوي (الروتيني) لولاية القوة الدولية في الجنوب – اليونيفيل، مع الإشارة الى أن واشنطن وتل أبيب عادة ما تبادران، في كل مرة، الى محاولة ربط الجديد بتغيير قواعد الإشتباك ربطا بتصدّي حزب الله تحت مسمى الأهالي لمهام اليونيفيل في البحث عن السلاح ومصادرته في المنطقة جنوب الليطاني، وهي المهمة التي أناطها مجلس الأمن بالقوة الدولية منذ العام 2006.
ولئن تذهب معظم المعطيات الى أن المناوشات في الساعات الأخيرة ستبقى محصورة من دون أن يأخذ أي من الفريقين المعنيين المنطقة الى حرب جديدة، يبقى وجوب إنتظار ما سيذهب اليه المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل:
1-تأسيسا على تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين "بيني" غانتس المهددة بحرب على إيران "لتحديها إسرائيل في ميادين عدة من بينها لبنان وسوريا"،
2-والأخطر ربطا بالشخصية الصدامية والمتقلبة unpredictable لرئيس الوزراء نفتالي بينيت، والذي قال فيه صديقه والعضو السابق في الكنيست، يوهانان بليسنر، مثنيا ومتفاخرا، أنه "كان يقوم بنصب الكمائن والغارات على حزب الله".
في بيروت، تأخذ الجهات الرسمية المعنية في الإعتبار خطورة كل تلك المعطيات، خصوصا أنها تتقاطع وتلتقي حكما مع الضغط الدولي الذي يشتدّ سياسيا وإقتصاديا، فيما لم تعد تخفي العواصم المعنية، وباريس على وجه التحديد، مجاهرتها بأنها لن تفوّت الفرصة لتحقيق إختراق في الطبقة السياسية يوصل عددا من حلفائها من المجتمع المدني الى البرلمان، مقدمة لإنقلاب ناعم تراهن تلك العواصم على تحقيقه تدريجا في غضون السنوات الأربع المقبلة الفاصلة عن إنتخابات سنة 2026.
كما لا تسقط الجهات الرسمية من حساباتها أن تستخدم العواصم المعنية الخروق الأمنية الأخيرة في الجنوب لتحقيق ما تريد من تغيير في قواعد الإشتباك الخاصة باليونيفيل، في إتجاه التشدد في ملاحقة سلاح حزب الله.
وسبق لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان ان أثار هذا الامر في لقاءاته الرسمية إبان إثارته مسألة الإستعصاء الحكومي في زيارته الأخيرة لبيروت، مشيرا الى أن فرنسا قد تعيد النظر في موقفها من اليونيفيل، ليس فقط من ناحية قواعد الإشتباك (باريس منعت محاولات اميركية متكررة لتغييرها في العقد الاخير)، بل بما يتعدى ذلك الى إعادة النظر في جدوى بقاء القوة الدولية من أساسها.
لكن من المستبعد أن تذهب باريس هذا المذهب، بالنظر الى العلاقة التي باتت تربطها بحزب الله، وتعمّقت إبان المداولات الفرنسية في الشأن الحكومي، وتكرّست في التواصل الهاتفي والحضوري الذي يحرص عليه المستشار الرئاسي باتريك دوريل.
وليس خافيا أن تل أبيب طلبت مرارا تغيير قواعد الاشتباك القائمة التي تحصر ولاية اليونيفيل عند الدوريات المنسّقة مع الجيش اللبناني والمساندة له، وتحويلها قوة ردع دولية مع تعزيزها بعناصر استخبارية مدنية دولية. كما أن واشنطن قدمت تكرارا في مجلس الامن أفكاراً لتوسيع ولاية اليونيفيل في إتجاه إيجاد آلية مراقبة دولية فعالة جنوب الليطاني بما يتيح تفتيش المنازل، وهو الامر الذي يربطه القرار 1701، حصرا، بوجود خطر داهم منطلق من أحد المنازل يهدد القوة الدولية.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا