منذ العدوان الاسرائيلي على لبنان سنة 2006، شهدت الجبهة الجنوبية هدوءاَ نسبياَ تخللته بعض حالات اطلاق الصواريخ المتفلتة حالت دون فتح الجبهة على مصراعيها ورسمت خطوطاً حمراء تمنّع الطرفان عن تجاوزها.
الّا ان ما حصل اليوم، يشير الى ان الموضوع بات على مستوى من الخطر الفعلي.. خطر لم تشهده البلاد منذ عام 2006.
الامر بدأت طلائعه ليل 4-5، وشكّل سابقة لم تشهد لها جبهة الجنوب مثيلاً منذ عدوان 2006. ففي ليل 4-5 أب، شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي غارتين على منطقة الدمشقية في خراج بلدة المحمودية (بين أقضية جزين ومرجعيون والنبطية)، استهدفتا منطقة غير مأهولة. واتت هذه الغارات، بعد ثلاث جولات من القصف المدفعي الاسرائيلي رداً على عملية اطلاق صواريخ انطلقت من لبنان استهدفت منطقة كريات شمونة.
وترافق القصف الاسرائيلي مع تهديد شديد اللهجة صدر عن الناطق باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي، اذ حمل "حكومة لبنان المسؤولية الكاملة عن أي عملية إطلاق نار من أراضيها"، معلناً ان "طائرات مقاتلة هاجمت مناطق في لبنان أطلقت منها صواريخ ظهر أمس على كريات شمونة، والبنى التحتية للإرهاب".
وهدّد ادرعي بأن "تستمر هجمات الجيش وستزداد في مواجهة المحاولات الإرهابية ضد إسرائيل".
وعلى الجانب اللبناني، اعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون، ان "استخدام اسرائيل لسلاحها الجوي في استهداف قرى لبنانية هو الاول من نوعه منذ ٢٠٠٦ ويؤشر الى وجود نوايا عدوانية تصعيدية تتزامن مع التهديدات المتواصلة ضد لبنان وسيادته، وما حصل هو انتهاك فاضح وخطير لقرار مجلس الأمن الرقم ١٧٠١ وتهديد مباشر للأمن والاستقرار في الجنوب".
اما حزب الله، فتكتم عن الاحداث ولم يصدر اي بيان يوضح حقيقة ما جرى.
ثمة مؤشرات عدّة، تضاف الى هذه الحادثة، لا يمكن اغفالها، ومن شأنها ان تضفي وضوحاً اضافياً لما قد تشهده المنطقة ولبنان في المرحلة المقبلة.
اولاً: المواقف والتصاريح الاسرائيلية. في 11 تموز، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت عقب حادثة اطلاق صواريخ مشابهة حصلت، من ان "الدولة اللبنانية على حافة الانهيار مثل جميع الدول التي تستولي عليها إيران"، وشدّد على انه "لن نسمح بالمساس بالسيادة الإسرائيلية والأمن الإسرائيلي ومن يحاول أن يؤذينا سيدفع ثمناً مؤلماً".
وبعد ثلاثة ايام من تصريح بينيت، كشف المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي عن مخزن اسلحة تابع لحزب الله في قرية عباّ الجنوبية الواقعة في محافظة النبطية، وعلى مسافة 25 متراً من مدرسة عباً الرسمية وذلك وفقاً لما زعم. وكتب في تغريدة عبر "تويتر": "حزب الله يستخدم الابرياء دروعاً بشرية لتنفيذ مخططاته العسكرية، جيش الدفاع لن يتردد باتخاذ ما يلزم حيال الاهداف الفاعلة".
وبعد حادثة 4 آب، نقلت قناة "الحدث" عن مصادر اسرائيلية، ان "هناك قرارا اسرائيليا بعدم السماح بانجاز مشروع الصواريخ الدقيقية في لبنان".
ثانياً: التصعيد الاسرائيلي - الايراني، وحرب ناقلات النفط المستعرة بين الطرفين في مياه الخليج. وكان آخرها، تعرض سفينة "ميرسر ستريت" التابعة لشركة إسرائيلية لهجوم بطائرة مسيّرة قبالة سواحل سلطنة عمان مما أودى بحياة شخصين. واتهمت اسرائيل ايران بانها وراء الاعتداء، الا ان ايران تنصلت من المسؤولية. وبعد خمسة ايام على الحادثة، افادت تقرير عن حوادث امنية وعملية خطف تعرضت لها عدد من السفن قرب ساحل الامارات العربية المتحدة.
ثالثا: التصعيد الايراني – الغربي، اذ اعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في 5 آب، ان "إيران ستدفع ثمنا لو اختار رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي العدائية، مؤكدا أن طريقة تعامل المملكة المتحدة مع إيران أصبحت في مفترق طرق". كما تعهد الوزير البريطاني بمحاسبة إيران لتهديدها الملاحة وزعزعة استقرار المنطقة، مشيرا إلى أن الهجوم على السفينة "ميرسر ستريت" لن يمر دون محاسبة طهران.
كذلك المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، اكدت أن الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران".
وقالت ساكي في تصريح لـ"العربية" الخميس الفائت، ان "المجتمع الدولي لديه قلق من سلوك طهران المتصاعد".
رابعاً: المفاوضات الايرانية - الاميركية المعلقة. فمع انتخاب الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي، عُلّقت مفاوضات فيينا بانتظار تسلمه مقاليد السلطة. وعشية تأديته يمين القسم الدستورية لبدء ولايته الجديدة، دعت الخارجية الاميركية ايران الى العودة للمفاوضات النووية بفيينا في اقرب وقت، مشيرة الى ان المفاوضات لن تستمر الى ما لا نهاية، وآملة ان تغتنم ايران الفرصة الآن للتوصل الى حلول دبلوماسية.
كما ان احداث خلدة الاخيرة، لها دلالاتها ايضاً ولا تقل اهمية عن كل ما يجري من تطورات اقليمية ومحلية. فقد اعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في لقاء خاص مع خطباء شهر محرم ان هناك "محاولة لجرّ حزب الله إلى حرب داخلية وهذا مبني على معطيات بدأت من حجز الرئيس السابق سعد الحريري الذي كان الهدف منه إشعال الحرب الأهلية ولكن موقف الحزب فاجأ السعودية وغير مسار عملها". هذه المعطيات، تؤكد ان ثمة مخطاطات عدة ترسم لجرّ حزب الله الى حروب تنقص من قوته وتضعفه، ما يعبّد الطريق امام اسرائيل، لرسم معالم جديدة للمنطقة وفرض واقع جديد.
أمّا الباكورة، حتّى الآن فما حصل اليوم. اذ في تطوّر غير مسبوق اطلقت صلية من الصواريخ من جنوب الى لبنان باتجاه اسرائيل، تزامن مع تحليق مكثف للطيران الاسرائيلي فوق المناطق الجنوبية، ونقلت قناة الجزيرة عن هيئة البث الإسرائيلية ان "التقديرات تشير إلى أن حزب الله مسؤول عن إطلاق الصواريخ رداً على غارة الثلاثاء الماضي"، ولاحقاً اصدر حزب الله بياناً تبني فيه العملية وحسب تعبيره، اتت رداً "على الغارات الجوية الإسرائيلية على أراضٍ مفتوحة في منطقتي الجرمق والشواكير ليلة الخميس الماضي".
بدورها نقلت قناة الحدث عن مسؤول إسرائيلي قوله "نواجه تصعيدا كبيرا على الجبهة الشمالية قد يؤدي لأيام طويلة من المعارك".
كل تلك المؤشرات، تنذر بالخطر وتؤكد ان قواعد الاشتباك في المنطقة في طور التبدّل، فهل تطور الامور على الجبهة الجنوبية وصولا الى حرب شاملة في الفترة القادمة؟
تبقى الانظار شاخصة الى كلمة الامين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم غد وما قد تحمل من مواقف تساهم في ايضاح الصورة اكثر فاكثر...