طوني عيسى
منذ العام 2006، سوَّق «حزب الله» مراراً لاحتمال أن تشنَّ إسرائيل حرباً جديدة في لبنان، لكن الحرب لم تقع. وغالباً ما كان «الحزب» يبرِّر ذلك بالقول إنّ إسرائيل تخشى المغامرة بالحرب، في ظل توازن الرعب الذي تَمكَّن من تحقيقه. لكن بعض المطلعين يعتقدون أنّ التوقعات لم تكن في محلها أساساً، وأنّ الهدف من تسويقها هو شدُّ العصب في الداخل اللبناني لا أكثر، وسألوا: لماذا تَدْخُل إسرائيل في الحرب ما دامت حدودها الشمالية مضبوطة تماماً، منذ صدور القرار 1701؟
اليوم، للمرّة الأولى منذ 15 عاماً، يمكن القول فعلاً إنّ الحرب الإسرائيلية في لبنان باتت واردة فعلاً. وفي رأي بعض المحللين أنّها أصبحت حتمية. ولذلك، يُفترض أن تُدرَس بجدّية مطلقة تطورات الأسابيع الأخيرة في الجنوب:
رسائل نارية جرى توجيهها نحو شمال إسرائيل في شكل مثير جداً للشكوك. والإسرائيليون رفعوا مستوى الردّ عليها، ووسّعوا هامش غاراتهم بالمقاتلات شمالاً حتى مجرى الليطاني، ما يستدعي التفكير بعمق في الخطوات التالية.
ويتحدث الخبراء عن إشارات شديدة الخطورة ترجّح المغامرة الإسرائيلية، وقد تزايدت في الأسابيع الأخيرة، سواء لجهة الاهتراء في الداخل اللبناني أو على مستوى صراع المَحاور الإقليمية:
1 - يثير الانهيار اللبناني مخاوف لدى القيادات إسرائيلية، سياسية وعسكرية وأمنية، من سقوط الدولة اللبنانية ومؤسساتها في أيدي «حزب الله». وهذا ما يجعل الإيرانيين على تماسٍّ مباشر مع إسرائيل على الحدود، ويمنحهم ورقة مساومة قوية يحتاجون إليها في المفاوضات حول الملف النووي، ويسمح لهم بتدعيم نفوذهم الإقليمي وطموحهم إلى الاحتفاظ بإطلالة لهم على المتوسط وموارده من الغاز والنفط.
2 - ارتفعت بقوة حدّة المواجهة البحريّة التي كانت مندلعة ببطء وصمتٍ منذ سنوات، بين إسرائيل وإيران، والمتعلقة خصوصاً بناقلات النفط. ومن الواضح أنّ طهران تريد أن تقول للإسرائيليين «الأمر لي» في مياه الخليج ومضيق هرمز. وهذا يشكّل تضييقاً شديداً على إسرائيل التي تعتمد بقوة على منفذ البحر الأحمر.
وفي المقابل، تحرص إسرائيل على تطويق حركة الناقلات الإيرانية في المتوسط، في اتجاه سوريا ولبنان خصوصاً. ومن هذه الزاوية، يقرأ الإسرائيليون دعوة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى إيصال النفط الإيراني إلى لبنان. وهذه المواجهة البحرية تبدو وكأنّها تتجّه نحو الذروة والانفجار.
3 - يولي الإسرائيليون أهمية للمعلومات التي تفيد بأنّ إيران، وفيما جمّدت مفاوضاتها مع واشنطن حول الاتفاق النووي، وصلت في عمليات التخصيب إلى مرحلة متقدمة وباتت على مسافة أسابيع قليلة من تصنيع قنبلة نووية.
فالإسرائيليون استنفروا أجهزتهم الاستخبارية على مدى السنوات الأخيرة لمنع إيران من بلوغ هذه المرحلة، وكانوا وراء الحادث الذي أدّى إلى تعطيل مفاعل نطنز، بعض الوقت، في نيسان الفائت. كما كانوا وراء اغتيال العديد من الأدمغة في البرنامج النووي، وآخرهم كان محسن فخري زاده في تشرين الثاني 2020.
4 - تبدو حكومة بينيت في صدد استعادة حملتها التي تتهم فيها «حزب الله» بتحويل العديد من المناطق الآهلة بالمدنيين إلى مخازن لترسانته الصاروخية، في الجنوب والعاصمة ومناطق أخرى وصولاً حتى الحدود مع سوريا.
وهذه الحملة كان قد أطلقها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وأرفقها بشكوى إلى الأمم المتحدة، مطالباً بالتحرك الدولي في هذا الشأن، تحت طائلة قيام إسرائيل بتوجيه ضربات إلى المواقع المحدَّدة.
5 - دخول العامل الفلسطيني على الخط. وقد كان لافتاً وجود تقاطع على أنّ الصواريخ التي أُطلقت من الجنوب أخيراً تقف وراءها قوى فلسطينية، ولكن- على حدّ قول المسؤولين الأمنيين في إسرائيل- بغضّ نظر من «حزب الله».
يعني ذلك في السياسة أنّ إيران تجنّبت إغراق «الحزب» في الصراع، في هذه المرحلة، لئلا ينفتح الوضع على المجهول. واستعاضت بالقوى الفلسطينية الحليفة لإيصال رسالة إلى إسرائيل، مفادها أننا قادرون على استخدام العديد من أوراق القوة في لبنان وسوريا، كما في غزة، والبقية تأتي عند الحاجة.
إذاً، وكما يُقال باللغة العسكرية «الخرطوشة في بيت النار». ولكن، هل سينفّذ بينيت تهديداته ويطلق الحرب في لبنان، أم سيستخدم التهديد للضغط السياسي لا أكثر؟
بعض المراقبين يقولون إنّ هذا السؤال يقود إلى الحديث عن معادلة متشابهة بين إسرائيل والولايات المتحدة، في ما يتعلق بالموقف من إيران. ففي واشنطن، السؤال المطروح هو: هل سيحافظ الرئيس جو بايدن على الموقف المتشدّد الذي كان يتبنّاه السلف دونالد ترامب تجاه إيران في ما يتعلق بالملف النووي والنفوذ الإقليمي والسلاح الباليستي، أم سيستعجل تقديم التنازلات؟