غادة حلاوي
وفي الرابع من آب بات المطلوب ان يرتقي الجميع الى لحظة المسؤولية والالتفات الى وجع الناس وآلامهم، ليس بالتصريحات المؤججة للفتنة وانما بالحد من الخسائر المتراكمة ووقف التدهور الذي يجر معه الويلات. في الرابع من آب لكأن القلب يتوقف لحظة صمت لألم عميق وجرح لم يندمل فيما الجميع يتابعون يومياتهم في عليائهم، فيتوّجون مسؤولين من دون تحمل أدنى مسؤولية. بالمقابل كثر المستثمرون في دم الابرياء جنياً لمكاسب نيابية، وبين الجهتين يتعطل تشكيل حكومة من 24 وزيراً عند عتبة خلاف على توزيع الحقائب، وكلا الطرفين يرفض التنازل بينما صار الرئيس المكلف على قاب قوسين او أدنى من الاعتذار.
فخلال زيارته الاخيرة الى بعبدا لم يكد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مفاتحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بموضوع الحكومة حتى عاجله بالقول "شو عملت بالداخلية؟". أجابه: "ما زلت مصراً على ان تكون من حصة السنة، وانما اعمل انطلاقاً من روحية المبادرة الفرنسية". فرد عون: "خلينا نحكي عن المداورة واذا كان الاصرار على عدم المداورة فأنا اصر بالمقابل على حقيبة الداخلية".
كان في نية ميقاتي معاودة الزيارة في اليوم الثاني لولا ان اعتذر عون لإنشغاله بإعداد خطابه لمؤتمر باريس وبسبب اقفال الطريق لمناسبة الرابع من آب. عند هذا الحد انتهت الزيارة التي استغرقت دقائق لم تتسم بالسلبية التي عكسها ميقاتي في كلمته التي قالها عقب اللقاء في بعبدا. بل على العكس تبادل الرئيسان حديثهما بلطف حتى ان ميقاتي لم يتوانَ عن التلويح لعون بموضوع المهل فقال له: "لم آت لأتحدّى ولكن لا يمكن لمهلة التشكيل ان تطول فإما ان اتمكن من تشكيل الحكومة او لست مستقتلاً". لكن ثمة من يؤكد ان اللقاء السلبي صودف يوم الاحد حيث انعقد بعيداً من الاعلام وتم خلاله طرح كل الامور بعمق.
إنتهى اللقاء والطرفان على موقفيهما والداخلية بقيت عقدة العقد والفتيل الذي سيفجر الحكومة اذا استمرت الاجواء على ما هي عليه. المعنيون بتشكيل الحكومة والمراقبون لسير المفاوضات بشأنها يرون ان ما كان متوقعاً قد حصل، وما يحصل مع ميقاتي كان يحصل مع سعد الحريري، فالطرف المفاوض لا يزال هو ذاته مع فارق تبدل الاسم. هذا الواقع يجعل نسبة التفاؤل بتشكيل الحكومة عما قريب ضئيلة جداً، اللهم الا في حال برز عنصر مفاجئ من اليوم وحتى يوم غد الخميس. اما لماذا الخميس فلأن الانظار تتجه نحو الجانب الفرنسي الذي وان كانت لا توجد مؤشرات الى تدخله للحلحلة، الا ان البعض لا يستبعد ان يكون ميقاتي استعان بصديق هو الفرنسي لتليين موقف عون.
التعويل هذه المرة ليس على جهود ومبادرات داخلية اذاً، وعلى ما يبدو لا الثنائي الشيعي ولا رئيس "الحزب الاشتراكي" او غيرهما بصدد المبادرة، بعد ان باتت كل المبادرات عرضة للاصطدام بحائط مسدود لوجود يقين عند المعنيين بالشأن الحكومي، ان من يقرر ولا من ينوب عنه مقبولان لتشكيل الحكومة بقرار خارجي، فالمطلوب بكل وضوح حكومة ينسجم معها اللاعبان السعودي والاميركي اكثر من حكومة فيها تمثيل لـ"حزب الله" في عهد عون.
التعويل على تشكيل حكومة تلافياً للانهيار الشامل لم يعد يؤتي أكله فبات الامر طبيعياً وسياق الانهيار يسير وفق ما ترجوه بعض الجهات، لكن هذا لا ينفي ان ابداء المرونة الداخلية لن يساعد في تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، وهذه المرونة لو توافرت لكان أمكن التشكيل مع الحريري. ولذا فالمسؤولية هنا لا تقع على عاتق طرف دون آخر، فجزء من المسؤولية يتحملها العهد لقدرته على تدوير الزوايا والمساعدة في الخروج من المأزق، لتكون تلك طريقة من طرق المواجهة للحصار المفروض على لبنان. اللهم الا اذا كان العهد سلم بأن ما تبقى من عمره لم تعد تجدي معه المحاولات للانقاذ، ولذا لن يسلم للفريق الآخر حكومة على هواه السياسي. وفي هذه المسألة تحديداً يمكن ان نلحظ تبايناً، ولو ضمنياً، بين عون و"التيار الوطني الحر" من جهة و"حزب الله" من جهة اخرى. فالاخير يستعجل تشكيل حكومة وارتضى بميقاتي رئيساً لاعتبارات اولها انه مرشح الحريري زعيم الغالبية السنية، ولحرصه على تحميل الفريق الذي تسبب بانهيار البلد مسؤوليته وقت الشدة لا استبعاده.
حتى الامس كان يتم التداول بسيناريوات متبادلة وتدوير زوايا تحرر الرئيس المكلف من طوق رؤساء الحكومات ولا تحرجه وترضي عون، ومن بينها ان يختار عون وزيراً سنياً للداخلية من خارج "التيار" يوافق عليه ميقاتي، او ان يوافق ميقاتي على وزير داخلية مسيحي غير مرتبط بحزب او تيار سياسي، وقد تمّ بالفعل جس نبض شخصيات معينة، على انها كلها محاولات لم ترق الى حلول متبناة بعد.
هل يفعلها ميقاتي ويعتذر فعلاً وهو الراغب بأن يكون رئيساً فعلياً للحكومة؟ يقول العارفون ان رغبته تلك لن تلغي حرصه على الا يكون رئيساً فاشلاً، ولذا فلن يكون لديه اصرار الحريري على التكليف ولكنه يجاهر للمعنيين بالصعوبات، والامور اذا استمرت على حالها سيكون من الصعب عليه الاستمرار والخميس لناظره قريب.