محمد علي دياب
12 عاماً كانت قد مرّت على قدوم «أبو محمود» من سوريا إلى لبنان عام 2008. مذذاك، حطّ به الرحال في مرفأ بيروت حيث عمل، وسكن في جواره. مساء ثلاثاء الرابع من آب عام 2020، عاد إلى «منزله» المؤلف من غرفة واحدة في حي الكرنتينا، قبل ساعتين من الزلزال الذي قلب الحي المجاور للمرفأ رأساً على عقب، مخلفاً دماراً هائلاً. في لحظات، خسر غرفته التي سكنها مع زوجته وأطفاله الثلاثة لسنوات. نجا «أبو محمود» وعائلته بأعجوبة. لكنه وجد نفسه، فجأة، من دون عمل ولا مأوى ولا عون من أحد. كل ما حصل عليه بعض المساعدات الغذائية المعتادة من الجمعيات والمنظمات الناشطة في المنطقة، غير أن أحداً لم يتواصل معه «ولو من باب السؤال».
مرارة خسارة المأوى لم تكن أكبر مصائب سامر طيباتي. هو الآخر سوري ضرب له القدر موعداً مع الألم مساء ذلك اليوم المشؤوم، إذ خسر ابنته بيسان البالغة من العمر سبع سنوات.
بغصة وكثير من الدموع، يستحضر «أبو بيسان» صورة ابنته الغارقة في الدماء وهو يحملها من مكان إلى آخر بحثاً عن مسعف ينقذ حياتها. لم يستقبله أي مستشفى في المنطقة بسبب ضغط آلاف الجرحى يومها. انتهى به المطاف في أحد مستشفيات الحمرا. 8 أيام قضتها الطفلة في العناية المشددة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة جراء ضرر كبير لحق برئتيها.
يجاهد سامر، اليوم، لسد حاجات عائلة مؤلفة من زوجة وطفل في الثانية من العمر. راتبه الشهري لا يتعدى 600 ألف ليرة لا يكفي لتلبية أقل متطلبات الحياة، من دون أي دعم أو تعويض.
كلا الرجلين كانا من بين قائمة طويلة ضمت آلاف اللبنانيين والأجانب ممن تضرروا جراء الانفجار، وتضمّ أيضاً 43 سورياً كان الموت لهم بالمرصاد بحسب الأرقام التي أعلنتها السفارة السورية في بيروت حينها، معظمهم من سكان الأحياء المجاورة للمرفأ أو العاملين فيه.
عام كامل مر على الانفجار لم ينل فيه المتضررون من غير اللبنانيين أي تعويض، رغم أن ربع عدد الشهداء ونسبة لا يستهان بها من سكان المناطق المتضررة من غير اللبنانيين. وبحسب دراسة للمجلس النرويجي للاجئين أجريت على عدد من الوحدات السكنية في أحياء مار مخايل والكرنتينا بين شهري آب وأيلول 2020، بلغت نسبة السوريين 39.17 في المئة من أصل عدد السكان في العيّنة ونسبة السكان من جنسيات مختلفة حوالى 11.37 في المئة.
هؤلاء لا يزالون حتى يومنا هذا مستثنين تماماً من ملف التعويضات رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها معظمهم جراء الانفجار، كما لو كانوا مجرد أرقام أو «زيادة عدد» في ملف إحصائيات الخسائر أو تقارير النشرات الإخبارية.
رسمياً، أصدرت الدولة اللبنانية قوانين وقرارات متفرّقة لمنح مساعدات مالية لفئة محدّدة من الضحايا أو لإخضاع بعض الضحايا لأنظمة خاصّة. لكنّها لم توضح الطبيعة القانونية لهذه المساعدات أو التعويضات ولا كيفية احتسابها وآليات تنفيذها. وزاد الطين بلة اقتراح قانون قدّمه النائب جورج عبدالله وناقشه مجلس النواب مطلع تموز الماضي، يستثني الضحايا الأجانب في انفجار بيروت من التعويضات «لأن الجهة المخولة بدفع التعويضات هي وزارة الشؤون الاجتماعية ولا يحق لهؤلاء الحصول على التعويض لكونهم غير لبنانيين»، إضافة إلى ذريعة أخرى أشد مضاضة تلقي المسؤولية على شركات التأمين باعتبار أن «أغلب العمال الأجانب المتضررين مشمولون بالتأمينات والضمان»، وهي ذريعة ساقطة نظراً للتلاعب الكبير الذي تمارسه الشركات الموظفة لهؤلاء العمال للتهرب من تسجيلهم في التأمين.
المحامي مازن حطيط، أحد المتابعين للقضية، أكد «عدم قانونية هذا الإجراء نظراً لتمييزه الواضح بين الضحايا وطابعه العنصري». ولفت إلى أن الجهة الوحيدة المخولة حالياً تعويض غير اللبنانيين هي الهيئة العليا للإغاثة التي منحت ورثة الضحايا الأجانب الحق بالحصول على تعويض مالي يتراوح بين 15 مليون ليرة و30 مليوناً. غير أن هذه المسألة تصطدم بعقبات عدة أبرزها الأوراق التي يُطلب من أسر الضحايا تأمينها، ويفشل هؤلاء غالباً في تحصيلها، أو يعجزون عن تحمل كلفة تصديقها التي قد تتجاوز قيمة التعويض، كما هي الحال مع سامر طيباتي الذي يتوجّب عليه دفع 75 دولاراً مقابل كل ورقة تحتاج للتصديق في السفارة السورية. علماً أن هذه المساعدة لا تعدّ تعويضاً عن كامل الأضرار المادية والجسدية والمعنوية التي حلّت بورثة الضحايا، بل «مساعدة مالية تتّخذ طابع السلفة الوقتية أو المعجّلة وتهدف إلى التخفيف من وطأة الكارثة التي حلّت بالعائلات المنكوبة، من دون أن تحرمهم من حقهم في المطالبة بالتعويض الكامل والذي لا يمكن الحصول عليه إلا بموجب حكم قضائي وهو ما لم يتحقق بعد»، بحسب حطيط.
أمام هذا الواقع، يجاهد «أبو محمود» وسامر للمضي قدماً رغم صعوبة الظروف المعيشية. فشل الأول حتى الآن في إيجاد البديل، فيما يتحضر الثاني لمقابلة قد تغير مجرى حياته في السفارة الفرنسية في بيروت.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا