لم تُفلح كلّ التدخلات في فك إضراب نقابة المحامين الذي صار يؤثر بشكلٍ سلبي على المحامين أنفسهم وعلى عدد من القضايا الملحة كقضيّة انفجار المرفأ. ملحم خلف وقع في الفخ، وتحوّل إلى مُعطّل. ومع ذلك فهو غير قادر على التراجع طالما أن الجسم القضائي يتغاضى عن الأزمة ويرفض حتّى فتح حوار بشأنها. لذلك، وجد نقيب المحامين حلاً بالتواصل مع الأمم المتحدة ووضع الملف بيد المقرر الخاص المعنيّ باستقلال القضاة والمحامين!
60 يوماً انقضت على إضراب المحامين، والمعنيون لا يحركون ساكناً. الجلسات القضائيّة كلها معطّلة، باستثناء الملحّ منها. المحامون بدأوا بالتعبير عن استيائهم بعد تحوّلهم «عاطلين عن العمل»، باعتبار أن الإضراب ليس الأول من نوعه، ناهيك عن تأثيرات الأزمة الاقتصادية وانتشار كورونا على أعمالهم.
عند بداية الإضراب، حاول بعض المحامين التهرّب من قرار نقابتهم وحضور الجلسات. لكنهم عادوا إلى الالتزام بسبب متابعة النقابة عن كثب للجلسات واتخاذها تدابير إجرائية بحقّ المخالفين. لذلك، لم يعد أمامهم إلا حضور الجلسات الطارئة المستثناة من قرار النقابة كتلك المتعلّقة بالموقوفين أو المهل الإداريّة.
لكنّ اللافت أن استثناءات النقابة لم تشمل الملفات العامة الدسمة، كالتحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وملف تفجير المرفأ... وعليه، رُميت تهمة عرقلة هذه التحقيقات في أحضان نقيب المحامين ملحم خلف. عشرات الجلسات أُرجئت بسبب التزام وكلاء الدفاع عن المدّعى عليهم في التفجير بإضراب نقابتهم. لذلك، لم يكن أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إلا تأجيل الجلسات المُخصصة لاستجواب بعض المدّعى عليهم في هذا الملف، كإرجاء جلسات استجواب المدير العام لأمن الدولة أنطوان صليبا، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المخابرات السابق العميد المتقاعد كميل ضاهر.
يعرف ملحم خلف هذا الأمر. ولذلك، يدرس مجلس النقابة استثناء ملف تفجير المرفأ وغيره من الملفات الحسّاسة التي تُعنى بالرأي العام من قرار الإضراب. كما يعمل النقيب من مكتبه في قصر عدل بيروت، على توقيع عشرات الطلبات المُقدمة من محامين ليتمكنوا من حضور جلساتهم، خصوصاً المتابعين لدعاوى أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين بانفجار المرفأ والتي تكفّلت النقابة بمتابعتها (أكثر من 1200 دعوى). وهذا يعني أنّ وكلاء الدفاع عن المدعى عليهم في ملف تفجير المرفأ يُمكنهم الحضور مع وكلائهم إلى الجلسات بعد أخذ الإذن من النقابة. إلا أن الإضراب تحوّل إلى ذريعة لعرقلة الجلسات!
خلف: ليس باليد حيلة
مع ذلك، يعتبر العديد من المحامين أن الإضراب تحوّل من ورقة ضغط على القضاء إلى ورقة ضغط على المحامين أنفسهم. يُدرك خلف أنه وقع في هذا الفخ، «ولكن ليس باليد حيلة». إذ «حاولنا ابتلاع الموسى أكثر من مرة وتغاضينا عن أداء المعنيين، لكنّ تراكم المخالفات أدّى إلى ما وصلنا إليه اليوم ففُرض علينا الإضراب»، وفق ما يقول لـ«الأخبار».
يملك نقيب المحامين سرداً كاملاً لما حصل منذ عام ونصف عام. البداية كانت بين رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي سامي صدقي والمحامي مالك عويدات مطلع عام 2020. بعدها توالت المخالفات بحق العديد من المحامين: افرام الحلبي، واصف الحركة، جيمي حدشيتي... حاول النقيب ردّ الاعتبار للمحامين المُعتدى عليهم بكلّ الوسائل، لكن القضاة لم يتجاوبوا معه، حتى إن أحدهم كاد أن يصف المحامين بـ«الزعران». حينها، رفع خلف الصوت، مع إصراره على «ضبضبة» العديد من الملفات، كالمخالفات الحاصلة بعدم تطبيق المادة 47 التي تُجيز للمحامين حضور جلسات التحقيق الأولية.
كلّ ذلك مرّ حتى وصل الأمر إلى الطلب منه التدخّل في موضوع المحامي رامي عليق الذي اتخذت نقابة المحامين تدابير مسلكية بحقه قبل توقيفه. كما أنّ أحد القضاة لجأ إلى خلف للتدخل بشأن عليق الذي كان في طريقه إلى مكتب النقيب عند توقيفه لمتابعة الأمر.
ما حصل يومها لم يُصدقه خلف، تماماً كما أنّه لم يُصدق تجاهل المعنيين لإضراب الـ48 ساعة بعد توقيف عليق «بطريقة غير قانونية». حينها، رفض القاضي غسان خوري التسريع في استجواب عليق، بحجة أنه لن يفتح قصر العدل من أجل الموقوف! وما زاد الطين بلة، قرار القاضي أسعد بيرم الذي «ضرب بعرض الحائط قانون تنظيم مهنة المحاماة وسلبها لصلاحياتها من خلال منع عليق من ممارسة أعماله ومنعه من دخول قصور العدل، وهو أمر مرتبط بالنقابة حصراً».
استناداً إلى ذلك، لا يبدو أن الأمور تسير نحو الحلحلة. الكثير من «المُصلحين» تدخّلوا من دون جدوى، في مقدمهم وزيرة العدل ماري كلود نجم التي دعت إلى اجتماعات في مكتبها للمحامين والقضاة المعنيين بهذه الأزمة علّها تُقرّب وجهات النظر، إلّا أن هذه الاجتماعات كانت تؤجّل في كل مرة.
يُحاول خلف أن يكون مرناً. هو مدّ يده إلى القضاة في بياناته الأخيرة من أجل استقلاليّة القضاء، وحاول أن لا يُطلق نيرانه على جميع من هم في السلطة القضائية، وأرسل موفداً عنه لوضع أكاليل على نصب القضاة الشهداء في ذكرى اغتيالهم، إلا أنّ المعنيين لم يلاقوه في وسط الطريق. جلّ ما كان يسمعه أنّ أبواب هؤلاء مفتوحة أمامه، ولكنهم لا يريدون التواصل معه!
هكذا يجد خلف نفسه في «بيت اليك». الإضراب يؤثّر على المحامين أكثر من تأثيره على القضاة، والتراجع عنه يعني سقوط خط الدفاع عن المحامين! لذلك، لجأ النقيب إلى الأمم المتحدة لوضع الأزمة في ملعبها، بعد أن تواصلت النقابة مع المقرّر الخاص المعنيّ باستقلال القضاة والمحامين الذي وضع يده على الطلب!