النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

من المواطن المتقاعد في مدينة ميناء طرابلس، رشيد توفيق الدرباس إلى دولة الرئيس سعد الدين الحريري المقيم أحيانًا في بيت الوسط وغالبًا في وسط الأزمات، تحيةٌ وبعد.

لم يكن من حائلٍ يمنعني عن إبلاغك ما سأقول، إنْ بالمباشر أو بالبريد الإلكتروني. لكنَّ هاجسًا يدفعني إلى العلانية، لأنها لسانُ كثير من محبّيك والغيارى عليك، وكذلك العاتبين واللائمين والمنتقدين لك.

عرَفْتُك، وعَرَفْتُ قبلك أباك الشهيد، شخصًا بسيطًا قريبًا من الناس لا يزعم العصمة ولا يدعي الإلهام؛ وبلوتك قادرًا على تحمل النقد وما يتجاوزه إلى التجريح والافتراءِ حتى الاضطهاد؛ فرأيت أن أقرع ناقوس هذا الأحد (فقرة "ناقوس في أحد" من "صوت كل لبنان") على مدى الصدى، لأنك أهل لقبول ما لا يطريك، فالإطراء إغواء، والإغواء استدراج للاعوجاج.

أبدأ فأقول إن هذه الرسالة الصوتية المكتوبة على إيقاع موجات الهواء النقي الودود، سأشفعها برسالة خطية مكتوبة بحبر لا يقل ودًّا ونقاءً وذلك في الثلاثاء الأول من شهر آب على صفحات "النهار"، لكي يكون الصكّ المخطوط صالحًا للأخذ والرد، فالأمر لا يتعلق بك وحدك، بل هو أولًا شأن الدولةِ الحاميةِ لحياة المواطنين، والراعيةِ لهمومهم وقلقهم على مصيرهم الذي لا ينبغي أن يُقَرَّرَ في الغرف، بل في الهواء الطلق، وبمشاركتهم في الاختيار وتحمل المسؤولية.

تتعرضُ الآنَ لحصار ظالم، أغريْتَ أنتَ القومَ بضربه عليك، عندما عرضتَ خدماتِك مجانًا لمن فحصتَ شراكتَهم الفاشلةَ على مدى أكثر من نصف عهد، فرأوها فرصة سانحة لأسرك في أرجوحة الوقت القاتل حتى يصيبك الدوار بين يمين وشِمال، وأنصاف وأثلاث، فرحتَ تضرب أخماسًا بأسداس من غير طائل، لأنهم يعرفون أنك لست من أهل الكيد، ولا تستطيع ممارسة النكايات حتى النهاية، وأنك لا بدَّ ستُنْهَكُ قواك، وينفرطُ عقد صداقاتك، فتكونُ بهذا الشريكَ الأول في إضاعة الوقت. ذلك من خلال احترافِهِم التنصل، وشنَّ حملاتٍ إعلاميةٍ فيها من التنكر ما يجعلُني أحزنُ على كُتَّابها وما كانت عليهِ أقلامُهم من أناقة موروثة، شوَّهوها بالنبش في الماضي، والحفر في النيّات، من أجل إحالتك إلى تقاعد مبكر، آملين أن يعادَ النظر بعد ذلك بالتراتبية الإرثية.... كل هذا ولم تخرج من حلقك كلمة آخ... فحقَّ لي أن أقولَ عنك آخ وآخ ثم آه من ظلم ذوي القربى.

لقد ذهَبْتَ إلى التسوية متخفيًا تحت جنح الليالي فكيف اخترْتَ باريس عاصمة النور، مكانًا لذلك الاتفاق الظلامي؟

سرتَ على رؤوس أصابع قدميك، كي لا يفطن إليك من وُلدوا قبلك وخبروا النهج التعطيليَّ التدميري، لأنهم لو انتبهوا لكانت لديهم الفرصة لتعود عما انتويت.

شكَّلت حكومتين سيئيتين، وتركتهم يغرفون من بحر الدولة إلى أن جفت ماءتك، ونَضب إرثك، فأسكَتَّ تلفزيونَك، وأقفلت جريدتك، وتركت إذاعتك متقطعة البث بحسب توافر المازوت في خزان المولد الكهربائي.

وصفك محبٌّ لك، هو سمير عطالله في جريدة "الشرق الأوسط"، بأنك أكبر المضطهَدين في لبنان، أما أنا فأراكَ أولَ مضطهِديك، مع أنك لست مازوشيًّا مصابًا بداء تعذيب الذات، ذلك بسبب تعمّدِكَ خسارةَ خبرةِ ونباهةِ وشجاعةِ النواب الذين لم يماشوك في خيارك الرئاسي، وإرسالِكَ إيّاهم إلى البطالة السياسية في عز حيويتهم، وتغافلِك عن رؤية إمبراطويتك تتهاوى إهمالًا وإسرافًا في منح الثقة لمن لا يستحقها، حتى اغتنى محيطُكَ وافتقرتَ، شخصيًّا، وسياسيًّا عندما ارتضيتَ قانونًا انتخابيًّا هو آية شيطانية لم تدر ولا في بال سلمان رشدي.

ولما قررت أن تعتذر، أهملت أن يكون وقع ذاكَ مهيبًا، فأسلمت نفسك راضيًا مرضيًّا لمقابلة تشبه الكمين كما لو أُنْزِلَ فيك عِقاب، وقيل عُقابٌ... اقْرَأْها على الوجه الذي تستحسنه؛ وبدلاً من أن تشبع معرفة اللبنانيين، فتحكي ما جرى وترسم رؤية مستقبلية، تجاوزتَ باسمًا عريقًا قديمًا إلى بسَّام جديدٍ، ورحت تردّ عن نفسك تهمة السهر والسفر، وتلتف حول المسألة السعودية وكان يكفيك القول، إن الجالس في السراي الحكومي لا يمثّل المملكة العربية السعودية في لبنان، بل الوطنَ في كلِّ دول العالم، لا سيما الصديقة والشقيقة وعلى رأسها المملكة.

دولة الرئيس،

يميل الجمهور عادة، إلى تحميل أخطاء الزعيم للمستشارين، وفي هذا إهانة مزدوجة للزعيم ومستشاريه، لكنني علمت أن القرار كان قرارَك، وهذه عاقبة من يقفل تلفزيونه ويذهب إلى مقابلات بالإعارة والإكراء.

أختم رسالتي بملاحظتين:

الأولى: اذهب إلى انتخاباتك متخففًا من التلوّث المالي، فمن أرادوكَ لمالك انفضوا من حولك وكادوا لك، وبقيت جمهرة الأوفياء لمسيرة أولاك إياها دمُ المرفإِ الأولُ، فامضِ معهم:

هي الطريق وإن طالت ستمشيها

وللأفاعي فحيح في حواشيها.

الثانية: رمّمْ علاقاتك، فلا وقت للتنابز بين الحلفاء الموضوعيين الذين يتجاهلون ما أُعِدَّ للبنان من انقلاب على الدستور تحدّث عنه غبطة البطريرك غداة اعتذارك.

آن الأوان أن يسترد سعد الحريري أباه ممن ينتحلونه، فلا تدَعْ للتمذهب فرصةً إلى محيطك.. لا تحرث في البحر... مُدَّ الجسور مع كل ذي مصلحة في بقاء الدولة، لأنَّ المضافة الكبيرة تحتاج إلى مطبخ كبير.

أبا حسام،

تحدثْتُ باسم كثير، لكنَّ من يصارحك قليل.

ونادرٌ مثلَكَ من يتقبّل صراحتي بضحكة عريضة تعوَّدْتُها منك.