آلان سركيس
تعيش القوى السياسية الحاكمة إرباكاً بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري، إذ إن مهمة البحث عن بديل ليست بالأمر السهل.
تسير المشاورات الحكومية الجديدة على خطين: الخطّ الأول هو انتظار البوصلة التي سيحددها الحريري ومعه نادي رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى، إذ إنه من الصعب جداً في هذا الظرف الإتيان برئيس حكومة سنّي لا يحظى بغطاء الطائفة، وهذا الأمر ترفضه حتى الكتل الأخرى وعلى رأسها كتلتا "الثنائي الشيعي".
أما الخط الثاني فهو انتظار ما سيقرره التوافق الإقليمي والدولي، وهنا تتّجه الأنظار بشكل مباشر إلى فرنسا التي تجري إتصالات مكثفة بالولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والقوى الأخرى، ويراهن الداخل على إبرام مثل هكذا إتفاق لأنه بذلك يتمّ تفادي الإحراج الداخلي بالنسبة إلى السنّة، إذ ستتولى القوى الخارجية إقناع الحريري بعدم العرقلة والسير بالتسوية الجديدة.
وبانتظار وصول الفرج من الخارج يتمّ رمي عدد من الأسماء السنّية، فهناك فريق في 8 آذار يروّج للنائب فيصل كرامي، وآخرون يروّجون للنائب فؤاد مخزومي، وهناك حديث عن عودة السفير مصطفى أديب على رغم أن موقفه بات واضحاً وهو رفض العودة في مثل هكذا ظروف، بينما يرفض الرئيس تمام سلام تولي هذا المنصب في ظل عهد الرئيس ميشال عون، في حين أن النائب السابق محمد الصفدي ينتظر أن تحلّ عليه نعمة الرئاسة الثالثة. وأمام كثرة طرح الأسماء يحضر اسم الرئيس نجيب ميقاتي الذي كانت له تجارب حكومية سابقة. فميقاتي الذي انطلق من طرابلس أيام الإحتلال السوري وبنى حيثيته الخاصة، "ناداه الواجب" عندما لم يستطع الرئيس عمر كرامي تأليف الحكومة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد أتى ميقاتي رئيساً للحكومة بتوافق إقليمي ودولي واسع في مهمة محدّدة وهي إجراءالإنتخابات النيابية.
وعلى رغم تقلّبات ميقاتي السياسية، وخروج النائبة بهية الحريري لتبرير تسميته حينها بأنه ينتمي إلى مدرسة الرئيس الشهيد، إلا أنّ الأخير كانت له سياسته الخاصة وحافظ على "شعرة معاوية"، وأكثر، مع السوري و"حزب الله".
وبما أن الرجل كان يحافظ على علاقاته الجيدة مع الجميع، فقد تحالف مع الحريري في انتخابات 2009 النيابية وعاد وانقلب عليه بعد إسقاط حكومة الحريري في كانون الثاني 2011، وبات ميقاتي الذي كان يدعو جمهوره إلى المشاركة في ذكرى 14 شباط رئيس حكومة ما عُرف حينها بحكومة "القمصان السود".
لم تكن فترة تولي ميقاتي رئاسة الحكومة سهلة، فمن جهة إصطدم برفض سنّي ومن جهة ثانية إشتعلت الحرب السورية، فحاول المزايدة سنّياً باستقبال عشرات آلاف النازحين وبتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وعدم المسّ باللواء وسام الحسن الذي سقط لاحقاً خلال ولاية حكومته شهيداً، وحاول التمديد للّواء أشرف ريفي، واستغلّ هذه الحادثة لتقديم إستقالته بعدما باتت حكومته عبئاً على "حزب الله".
اليوم يعود اسم ميقاتي ليُطرح مجدداً إستناداً إلى تجربة 2005 الحكومية الإنتخابية وليس تجربة 2011، وقد "لمّع" الرجل اسمه سنّياً بعد "وصمة" ترؤّسه حكومة "حزب الله" وبات فاعلاً في نادي رؤساء الحكومات السابقين.
لكن كل الوقائع والمعلومات تشير إلى أن الإتفاق على أي إسم لم يحصل بعد، وميقاتي لن يحرق نفسه إذا لم ينل غطاء الحريري والسنّة ورضى المجتمع الدولي، وإذا كانت الرياض لم ترضَ على الحريري فإنها لن تقبل بميقاتي لأن السياسة السعودية قد تغيّرت بالنسبة إلى لبنان.
من هنا، فإن ميقاتي قد يكون الرئيس الذي يمرّر الإنتخابات إذا نال رضى الداخل والخارج، أو إنه قد يقبل المخاطرة ويكون "رئيس حكومة التحدّي"، وهذا مستبعد لأن البلد لا يحتمل حسان دياب آخر... ولو بهيئة ميقاتي.