راجانا حمية
على طريقة ما آل إليه الحال في دعم المحروقات، انتهى اجتماع بعبدا أمس، بوعد رئيسَي الجمهورية والحكومة إصدار موافقة استثنائية تضمن تثبيت استمرار دعم الدواء والمستلزمات والمغروسات الطبية. عملياً، لم يخرج المجتمعون بحلٍّ سوى «طمأنة» حاكم مصرف لبنان إلى «الوضع القانوني»، إذ منحوه الموافقة على الإنفاق لدعم الدواء
انتهى اجتماع بعبدا الاستثنائي الذي جمع أمس رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب ووزيرَي المالية والصحة، غازي وزني وحمد حسن، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمس، بالتوافق... على تكرار الوعد نفسه بالاستمرار في سياسة دعم الدواء والمستلزمات الطبية. لم تكن ثمة مقترحات عملية تفسّر كيفية تلك الاستمرارية، فجلّ ما طُرح أمس كان استعادة أفكار ومقترحات سابقة أقرب إلى الآمال منها وأبعد من التحقّق في ظل انهيار سريع، فيما لم يُسجّل سوى «خرق» واحد فقط، يتعلق باستصدار موافقة استثنائية من رئيسَي الجمهورية والحكومة من أجل تثبيت استمرار دعم جزء من الدواء والمستلزمات والمغروسات الطبية.
مع ذلك، يحلو لبعض المتابعين من المتفائلين اعتبار ذلك الاجتماع نقطة الانطلاق نحو حلحلة ملف الدواء، خصوصاً أنه يأتي في إطار «التكريس» للاتفاق الذي كان قد صيغ سابقاً (شفهياً) بين سلامة وحسن وبعض القوى الفاعلة. ولأجل ذلك، كان الحضور أمس مكتملاً، إذ لم يقتصر على عون وسلامة وحسن كما درجت العادة، وإنما شمل هذه المرة دياب الذي حضر للمرة الأولى ووزني، وهذا ما اعتبره هؤلاء «لقاء مباركة»، خلص إلى «تأكيد دعم الدواء ضمن آلية تطبيقية تلحظ الأولويات المحددة من وزارة الصحة العامة على أساس خطة الترشيد الحكومية المرفوعة إلى مجلس النواب». وهي الخطة التي استقرّت فيها السيناريوهات عند إبقاء ما نسبته 46% من قيمة الفاتورة الدوائية مدعوماً.
وبصرف النظر عما آل إليه توافق بعبدا، لا تزال كل المقترحات، مهما علا شأنها، مرهونة بنوايا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي حاول أمس أيضاً انتزاع غطاء قانوني للشروع بالتنفيذ، إذ تشير المصادر إلى أن الحلحلة كانت «بأن يكون المسار على طريقة المحروقات، بحيث ينال مصرف لبنان موافقة استثنائية للاقتراض والإقراض على أساس المادة 91 من قانون النقد والتسليف»! وهذه الموافقة يرى الحاكم أنها تُعفيه نفسه من مغبة الأسئلة اللاحقة عن كيفية إنفاقه للاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، رغم أن هذا «الاحتياطي» مكوّن بقرار منه، ولا يحتاج إلى أي غطاء قانوني لاستخدامه.
أما بالنسبة إلى سياق الآلية التطبيقية، فقد أعاد المجتمعون أمس السردية نفسها، أي أن يكون الدعم شهرياً يمنحه المصرف المركزي بناءً على اللائحة التي تقدمها وزارة الصحة والتي تقدّر فيها الأولويات في ملف الدواء، استناداً إلى النواقص في السوق والحاجات الفعلية. كما تضمّن الاجتماع بعض النقاشات حول الأدوية التي يفترض أن تخرج من لوائح الدعم، وتوافق هؤلاء على اعتبار اللائحة المدعومة هي كل ما يتضمن أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية والسرطانية واللقاحات وحليب الأطفال والحالات الحادّة والطارئة. أما بالنسبة إلى الأدوية المتبقية، من أدوية الصحة العامة إلى تلك التي يندر استخدامها كما التي لا تحتاج إلى وصفة طبية، فقد رَاوحت الآراء ما بين إبقائها على آلية الدعم على سعر 3900 ليرة لكل دولار، أو إخراجها تماماً من الدعم.
بعيداً عن النقاشات، لم يُطرح أي مقترح عملي على كيفية دعم الصناعة الوطنية، وهنا «مكمن الخطورة»، بحسب مصادر وزارة الصحة العامة، إذ إن ما جرى عملياً حتى الآن في ملف الدواء هو «تخفيض قيمة الفاتورة الدوائية بحدود 50% في مقابل إبقاء الباب مفتوحاً على مصراعيه على كل شيء، وهذا ليس مقبولاً». أما بالنسبة إلى لائحة الأولويات التي يفترض بوزارة الصحة إعدادها، فتضعها المصادر في خانة التحدي، إذ إنه «ليس من السهل تقرير تلك الأولويات، وإن كانت واضحة، فهناك ما لا يلحظه الكثيرون وهو بعض الأولويات التي تأتي من خارج اللائحة، وهي في بعض الأحيان أدوية طارئة». أضف إلى ذلك «المعركة اليوم كيف سيُقرر هذا الدواء دون ذلك، فهذه دونها جملة معايير يجب العمل عليها». ما هو مطلوب اليوم هو أن «نكون أكثر جدية ونطرح بصراحة مطلقة كيفية دعم الصناعة الوطنية وإخراجها من دائرة التنظير». فاليوم، تحتاج هذه الصناعة إلى «140 مليون دولار سنوياً». هذا ما تقوله نقيبة أصحاب المصانع الوطنية، كارول أبي كرم. «ويمكن، على الأقل دعم أدوية الصحة العامة والتي تؤخذ من دون وصفة طبية، بحيث يُستبدل الدواء المستورَد بالمحلي». مثال ذلك؟ «بدلاً من أن أدفع سنوياً 24 مليون دولار للبانادول، يمكن الاكتفاء ببعض الملايين لدعم الباراسيتامول المصنّع محلياً».