رجاء الخطيب - الديار
كما غيره من القطاعات، يغرق القطاع التربوي والتعليمي في المشاكل والتحديات التي تؤثر عليه بشكل هائل. من الإضرابات المتتالية، الى الإقفال العام الذي قد يطيح بالعام الدراسي للسنة الثانية على التوالي،
في ظل ضبابية عن مصير الإمتحانات الرسمية، وقد صرح عضو «هيئة التنسيق النقابية» نزيه جباوي خلال تحرك «الاتحاد العمالي العام»عن أرجحية أن لا يكون هناك عام دراسي مقبل في ظل الوضع الاقتصادي الحالي. فماذا يحمل هذا التصريح في طياته؟ وهل هذا أمر قابل للحصول في بلد كلبنان؟
قبل اندلاع الحرب الأهلية، في لبنان، شهد نظام التعليم الرسمي عصره الذهبي، خصوصا في مجال التوسع في خدمات التعليم لتصل الى الفئات الأكثر حرماناً، والتي كانت شبه محرومة من التعليم في السنوات السابقة، إلا أن الحرب الأهلية أثرت سلبا على النظام التعليمي الرسمي، وصل معها الى حافة الانهيار مع نهاية الحرب في عام 1990.
لعل أبرز مثال على قوة ومناعة هذا القطاع أنه صمد في ظل أعتى فوضى شهدتها الجمهورية اللبنانية.
فهل ينهار اليوم في ظل الجمهورية الثالثة، وفي ظل أزمة تعقدت معها ألوف الأزمات، في سابقة لم يشهدها لبنان حتى إبان حربه الأهلية؟
للوقوف على حيثيات هذا التصريح واستطلاع الأمور على أرض الواقع، سألت الناشطة نسرين شاهين عن الدور الذي لعبه السيد جباوي كونه رئيس «رابطة التعليم الثانوي» خلال العام الحالي، حيث كان القطاع التربوي برمته يعاني الأمرّين، واشارت لـ «الديار» الى أن هذا التحرّك كان تحت غطاء وجناح وزير التربية، علماً أن النقابات لا تتموضع عادة في نفس الخندق مع الوزارات، وهي وُجدت أصلاً للدفاع عن حقوق العمال في هذا القطاع وتقوم بالضغط على الوزارات للحصول على حقوقها.
شاهين التي إعتبرت أن جباوي شريك أساسي في ما آلت إليه الأمور، تساءلت عن سبب عدم التصعيد خلال العام الدراسي، وعدم الحديث عن النزف الحاصل في القطاع التعليمي عموماً والرسمي خصوصاً، وأصرّت على وضع تصريح جباوي في إلاطار السياسي ومن باب تسجيل المواقف فقط لاغير، علماً أن الرابطة هاجمت تحرك الاساتذة المتعاقدين عندما نظموا تحركات سابقة وفق شاهين.
وعن الواقع المنتظر للعام الدراسي القادم، تعتبر شاهين أنه في حال إستمرار الأزمة الصحية المتمثلة بوباء كورونا، فإن المدارس الرسمية أمام مشكلة كبيرة متمثلة بعدم توفير حواسيب للتلامذة والاساتذة، وعدم توفر خدمة «الانترنت» لاستمرارية التعليم عن بُعد، فالمعاناة التي يعيشها الجميع هذا العام سوف تستمر.
من ناحية أخرى ترى شاهين، أنه في حالة العودة للتعليم في المدارس، فإن المشكلة الإقتصادية سوف تتجلى بعدم قدرة الأهالي على دفع تكاليف المواصلات والقرطاسية وغيرها من المستلزمات المدرسية الأخرى، اضافة الى عدم قدرة الاساتذة على تحمل الوضع الإقتصادي أيضاً اسوةً بالتلامذة.
شاهين التي تحدثت عن أن ٧٠٪ من الكادر التعليمي هم من المتعاقدين، اشارت الى أن متوسط الدخل السنوي للأستاذ المتعاقد لا يتخطى ٨٠٠،٠٠٠ ليرة لبنانية من دون حصوله على أي امتيازات كالضمان الإجتماعي أو بدل النقل.
واشارت الى أن العام الدراسي المقبل ينطوي على الكثير من المخاطر التي تهدد استمراريته، وأرجعت السبب الى تلكؤ الطبقة السياسية والروابط التعليمية ووزارة التربية التي لا تقوم باحتساب أي خطوة بعيدة المدى، في ظل غياب تام لأي رؤية مستقبلية قد تفرض دعم الإستمرارية للمدارس في العام القادم.
وكررت تخوفها على العام الدراسي المقبل سواء في المدارس الرسمية أو المدارس الخاصة المتوسطة والعادية على حد تعبيرها، خصوصاً أن الطبقة المتوسطة أصبحت تحت خط الفقر، مشيرة انه من قد ينجو هم طلاب المدارس الخاصة من الأغنياء وميسوري الأحوال.
ولفتت شاهين الى مشكلة أخرى يتم التداول بها حالياً وهي بدل الاساتذة اليومي في الإمتحانات الرسمية والذي يبلغ ٥٠٬٠٠٠ ليرة لبنانية لليوم الواحد، وتساءلت عن مدى قدرة الاساتذة على التــحرك في ظل أزمة وقود قاتلة وبمـــقابل مادي يكاد يوازي سعر صفيحة بنزين واحدة.
وفي سياق متصل، تحدثت مصادر تربوية مطّلعة لـ «الديار» عن ان الغياب التام لأي مقومات تدعم صمود القطاع ادت إلى هجرة الاساتذة خصوصاً من المدارس الخاصة بمعظمهم الى دول الخليج والعراق ضمن عروضات بمعاشات منخفضة حتى عن ذي قبل، ولا تتعدى في بعض الأحيان الألفي دولار. فالأزمة الحقيقية الكبرى تتمثل بخسارة الكادر التربوي في لبنان الذي إذا ما تبخر وجوده، فإن شيئا لن يعوضه.
بئس الدولة التي لا تستثمر في قدراتها البشرية، بئس الحكام الذين لا يعوا أن الإستثمار في البشر هو المدماك الأوحد والأقوى لأي بناء. يبدو أن الطبقة الحاكمة تعي جيداً أن التعليم يفتح آفاق العقول وهي تمارس بكل جدية، كما سياسة التجويع، سياسة التجهيل وتفقير الشعب فكرياً، كي لا يستيقظ مطالباً بحقوقه وثائراً على عبوديتها.