دعت لجنة "عدالة وسلام" المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وبالتنسيق الكامل مع مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، للإحتفال بقدّاس "يوم السلام للشرق" وتكريس الشّرق للعائلة المقدّسة، وذلك بمناسبة اليوبيل 130 على الرسالة البابوية العامة "الشؤون الحديثة".
يترأس الذبيحة الإلهيّة صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق نهار الأحد الواقع فيه 27 حزيران 2021، في تمام الساعة العاشرة صباحاً في الصرح البطريركي - الديمان (المقر الصيفي للبطريركيّة المارونيّة).
على أن يحتفل، أصحاب الغبطة في مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك مع العديد من أساقفتهم، وكلّ في كنيسته، وفي كل من البلدان التابعة للمجلس بهذه المناسبة الدينيّة المباركة، الّتي سيكرّس خلالها الشرق للعائلة المقدّسة مع دعم مجلس كنائس الشرق الأوسط وانضمامه. ومع البركة الرسولية لقداسة البابا فرنسيس إلى كل الذين سيشاركون في هذا الإحتفال وإلى كل الذين سيتابعونه عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
وفي هذه المناسبة التي تأتي قبل أربعة ايام من موعد لقاء رؤساء الكنائس الشرقية معه في الفاتيكان وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى أصحاب الغبطة بطاركة الشرق جاء فيها: إخوتي الأعزاء في المسيح. لقد قبلت بسرور الدعوة التي وجهتموها إلي لأن أنضم إليكم في هذا اليوم الخاص الذي فيه يحتفل كل واحد منكم بالقداس الإلهي مع مؤمنيه، للإبتهال إلى الله ولطلب نعمة السلام في الشرق الأوسط وتكريس العائلة المقدسة.
منذ بدء حبريتي حاولت أن أكون قريباً منكم في آلامكم ومعاناتكم، أولا لما ذهبت حاجاً إلى الأراضي المقدسة ثم إلى مصر والإمارات العربية المتحدة، وأخيراً قبل أشهر إلى العراق. ثم لما دعوت الكنيسة كلها للصلاة والتضامن الفعلي من أجل سوريا ولبنان، اللتين امتحنتهما الحرب وعدم الإستقرار الإجتماعي والسياسي والإقتصادي. وأتذكر جيداً لقاء 7 تموز 2018 في باري. وأشكركم لأنكم بلقائكم اليوم تعدون القلوب لدعوة الأول من تموز المقبل في الفاتيكان مع جميع رؤساء كنائس بلد الأرز.
العائلة المقدسة، يسوع ويوسف ومريم، التي اخترتموها لتكريس الشرق الأوسط لها، تمثل جيداً هويتكم ورسالتكم. لقد حفظت أولاً السر وهو أن ابن الله صار جسداً وتكونت حول يسوع ومن أجله. مريم العذراء أعطتنا يسوع بقولها "نعم" لبشارة الملاك في الناصرة. ويوسف قبِله وقد كان في أثناء النوم أيضاً يصغي إلى صوت الله. ولما استيقظ من نومه، كان مستعداً أن يتمّم مشيئة الله. يسوع هو سر التواضع والتجرد، كما ظهر في ولادته في بيت لحم، حيث اعترف به الصغار والبعيدون، لكن هدده أصحاب السلطان في الأرض، وكان تعلقهم بالسلطة أقوى من أن يروا ويندهشوا أمام تتميم وعد الله. فقام يوسف ومريم، وتوجها إلى مصر، ليحافظا على الكلمة المتجسدة، وجمعا بين تواضع الولادة في بيت لحم وفقر الناس الذين يجبرون على الهجرة. وبهذه الطريقة، ظلا مخلصين لدعوتهما، واستبقا على غير علم منهما، مصير الإقصاء والإضطهاد الذي كان نصيب يسوع لما بلغ. إلا أن هذا المصير نفسه سيكشف عن جواب الآب في صباح يوم القيامة.
التكريس للعائلة المقدسة يدعو أيضاً كل واحد منكم، أفراداً وجماعات، إلى أن تعيدوا اكتشاف دعوتكم أن تكونوا مسيحيين في الشرق الأوسط: ليس فقط بأن تطالبوا بالإعتراف العادل بحقوقكم كمواطنين أصليين في تلك الأراضي الحبيبة، بل أيضاً، بأن تعيشوا رسالتكم، رسالة حراس وشهود للأصول الرسولية الأولى. خلال رحلتي إلى العراق، استخدمت في مناسبتين صورة البساط، التي تعرف أن تنسجها الأيدي الماهرة لرجال ونساء الشرق الأوسط، فتصنع أشكالاً هندسية وصوراً ثمينة، وهي ثمرة تشابك العديد من الخيوط التي تصبح تحفة فنية لأنها معاً جنباً إلى جنب. إن نجح العنف والحسد والإنقسام في نزع خيط واحد من تلك الخيوط يصبح الكل جريحاً ومشوّهاً. في تلك اللحظة، لا يمكن للمشاريع والإتفاقات البشرية أن تفعل شيئاً يذكر إن لم نثق بقدرة الله الشافية. لا تحاولوا أن ترووا عطشكم من ينابيع الكراهية السامة، بل دعوا أخاديد حقولكم ترتوي من ندى الروح، كما فعل القديسون العظماء في تقاليدكم المختلفة، القبطية والمارونية والملكية والسريانية والأرمينة والكلدانية واللاتينية.
كم من الحضارات والسلطات نشأت وازهرت ثم سقطت، مع أعمالهم الرائعة وفتوحاتهم على الأرض: كل شيء مضى. أما كلمة الله، بدءاً من أبينا ابراهيم، فقد استمرت وبقيت مصباحاً أنار وما زال ينير خطواتنا.
قال الرب يسوع القائم من بين الأموات لتلاميذه الذين كانوا ما زالوا خائفين في العلّية بعد الفصح: سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم. وأنا أيضاً أشكركم على شهادتكم ومثابرتكم في الإيمان، وأدعوكم لأن تعيشوا نبوءة الأخوة الإنسانية التي كانت محور لقاءاتي في أبو ظبي والنجف، وكذلك في رسالتي البابوية العامة "كلنا إخوة" Fratelli Tutti.
كونوا حقاً ملحاً لأرضكم وأعطوا طعماً ومعنى للحياة الإجتماعية، واسعوا في المساهمة في بناء الخير العام، وفقا لمبادئ تعليم الكنيسة الإجتماعي، وهو في أمس الحاجة إلى أن يعرف كما تمّت الإشارة إلى ذلك في الإرشاد الرسولي بعد سينودس "الكنيسة في الشرق الأوسط"، وكما أردتم أن تذكروا ذلك بإحياء الذكرى الثلاثين بعد المائة بالرسالة البابوية العامة "في الشؤون الجديدة" Rerum NOVRUM.
أرسل من كل قلبي بركتي الرسولية إلى كل الذين شاركوا في هذا الإحتفال وإلى كل الذين سيتابعونه عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وأطلب منكم أن تصلوا من أجلي.
روما، في بازيليك القديس يوحنا في اللاتران، يوم 27 حزيران 2021
البابا فرنسيس