إبراهيم ناصر الدين - الديار
غداة الاطلالة الاخيرة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تشعبت التحليلات والتأويلات حول مقاصده «بحشر» حليفه الوحيد المتبقي على الساحة اللبنانية في الملف الحكومي، لم تكن بريئة مطالبة السيد حسن نصرالله بلعب دور «الصديق» الموثوق في مواجهة رئيس مجلس النواب نبيه بري «الوسيط غير النزيه»، يعرف باسيل مسبقا ان «اللعب» في الفناء الخلفي «للبيت الشيعي» «خط احمر»، ويدرك ايضا ان حزب الله ليس بعيدا عن الاتصالات الحكومية القائمة، ويقوم بدور ريادي في تقريب وجهات النظر، ودعوته الى «طاولة» المفاوضات، لزوم ما لايلزم عمليا، لان قرار الحزب واضح في انجاح التسوية وفق مبادرة بري وعلى قاعدة «لاغالب ولا مغلوب». اذا لماذا يغامر باسيل؟ وما هي المعركة الوجودية التي يخوضها؟
ترى مصادر سياسية متابعة لملف العلاقة بين «التيار» وحزب الله، ان القوى السياسية «المناهضة» للحزب تراهن على «حكمته» لكبح جماح حليفه التيار الوطني الحر الذي عاد الى «نغمة» سبق وطالب بها بعد احداث السابع من ايار 2008 بالتعامل مع «الخصوم» وفق استراتيجية «الصولد»، اي الحاق الهزيمة بهم، طالما ان الفرصة سانحة ومتاحة، بينما يدرك الحزب ان هذه المطالب غير قابلة للتحقق على الساحة اللبنانية، وهي «وصفة» انتحار جماعي لن تؤدي الا الى مزيد من الفوضى، ولهذا يريد حزب الله الاستفادة من ضعف موقف كل من الرئيس المكلف سعد الحريري، وكذلك الوزير باسيل لانتاج تسوية سياسية داخلية تؤسس لتعاون ذات منحى اقتصادي ومالي اكثر منه سياسي لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل الانهيار الكبير، وليس في وارد الدخول في «اشتباك» مع رئيس اكبر تكتل سني في البرلمان وهو في اضعف احواله بعد خسارته الرعاية السعودية، ويطمح الحزب للاستفادة من هذه الظروف لتحقيق المزيد من الاستقرار على الساحة السنية- الشيعية، من خلال الحصول على تنازلات معقولة دون اشعار الطرف الآخر بالهزيمة، ولهذا لا يريد الدخول في مواجهة دون افق لن تؤدي الا الى زيادة الانهيار الاقتصادي والمخاطرة بتدهور امني سيزيد الامور سوءا.
في المقابل، يعتقد باسيل ومن خلفه رئيس الجمهورية ميشال عون ان حزب الله يضيع الفرصة مرة جديدة بعدما سبق وفرّط بلحظات اقليمية ودولية كانت كفيلة بقلب المعادلات الداخلية «رأسا على عقب»، واليوم يعيد التاريخ نفسه، ويصر الحزب على وضع كافة الاطراف في «سلة» واحدة، بينما يريد الفريق «البرتقالي» معاملة مميزة لتغليب مصالحه على مصالح الآخرين. وفي هذا السياق، تستعد ايران للعودة الى الساحة الدولية من «بوابة» الاتفاق النووي، وحرب غزة منحت محور المقاومة «اليد العليا» في المنطقة، كما يعتقد باسيل ان الوقت قد حان كي يدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري ثمن خياراته الخاطئة في سوريا، بعدما تردد في دعم النظام السوري وتريث طويلا قبل حسم موقفه، وهو ما ترك «ندوبا» كبيرة في العلاقة مع دمشق، بينما كانت خيارات رئيس الجمهورية وتياره السياسي حاسمة منذ اليوم الاول، كما يقول باسيل امام زواره، ويسأل» لماذا يتم التعامل معنا وفق قاعدة واحدة، نحن لم نتردد، واليوم بعدما بات الرئيس الاسد عقب الانتخابات مقصدا لكل دول العالم، وفي مقدمتهم الدول الخليجية، وتعود سوريا الى موقعها الطبيعي، يريد من تآمرعليها، ومن تخاذل ان «يقبض الثمن» بدل دفعه، والمطلوب منا تسوية تمنح هؤلاء ارباحا ليست من حقهم، فاذا لم نترجم الانتصارات الاقليمية اليوم متى يكون ذلك»؟ طبعا رؤية باسيل هذه تنطبق على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وكذلك الرئيس سعد الحريري، ولا يتردد رئيس «التيار» ايضا بالتذكير بالاثمان السياسية التي دفعها بعد تعرضه للعقوبات الاميركية لرفضه فك التحالف مع حزب الله، ويرى ان الحزب لم يترجم ثناءه الى افعال بل لا يزال يعتمد «الحياد السلبي» ويرفض منحه افضلية على «خصومه».
في المقابل، لا «يستسيغ» حزب الله سياسة الابتزاز التي ينتهجها باسيل، لكنه لا يرى من داع للتفريط به، ولهذا يستمر باستيعابه و»يهضم» الكثير من الافتراءات المرتبطة بالاتهامات «البرتقالية» للحزب بعدم التعاون لمكافحة الفساد، ووفقا لاوساط سياسية بارزة، لا يمكن للوزير باسيل اختيار مواعيد معاركه وجر الحزب اليها، وفقا لحسابات ثبت عدم صحتها في الكثير من الاحيان، فهو عندما انفتح على «معراب»، عقد معها اتفاقا تفهّمه حزب الله، على الرغم الخصومة الكاملة مع «القوات اللبنانية»، وعندما «مزق» التفاهم لم يسأل احدا. وكذلك عندما عقد «زواج المصلحة» مع الحريري لم يراع مصالح احد، بل كانت التفاهمات تتم تحت «الطاولة» في «بيت الوسط» وتفرض في مجلس الوزراء، والآن يخوض مواجهة مفتوحة مع الرئيس المكلف «غير البريء» من «دم التعطيل»، ولكن الطرفين يخوضان «لعبة» مصالح ذاتية لا مصلحة لحزب الله في خوضها، ولهذا لا يملك باسيل ترف جرّ حليفه الى معارك «اقصائية» محفوفة بالمخاطر وفقا لتوقيته.
في الخلاصة، كشف الانسداد في الملف الحكومي اختلافا عميقا في ادارة المواجهة الداخلية بين طرفي «تفاهم مارمخايل»، حزب الله المتهم «بالسلبية» وانعدام الحيلة في حسم الملفات الداخلية، لا يوافق باسيل بان الفرصة سانحة اليوم، لابرام صفقة ضمن «سلة» متكاملة تشمل وصوله الى بعبدا بعد نحو عام، فالحزب يرى نفسه في موقع متقدم على كافة الاطراف، بعدما تحوّل الى «ملاذ آمن» ووحيد يلجأ اليه الجميع، ولا يريد خسارة هذا التفوق بعد تضحيات كبيرة خارج الحدود وداخلها، ويعتقد ان الاولوية هي لتحصين الداخل بتسوية ينضم اليها كل من ساهم بالازمة، كي يتحمّلوا مسؤولياتهم، حتى لو كانت مرحلية، فالمطلوب الآن الصمود ووقف الانهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد، وبعدها لكل حادث حديث.
في المقابل، يعتقد فريق رئيس الجمهورية ان الفرصة سانحة اليوم لتحقيق انتصار حاسم على كل «الخصوم» دون منحهم اي «سترة» نجاة، واذا كان لا بد من التفاهم، فيجب ان يشمل كل الاستحقاقات الدستورية المقبلة وفي مقدمها رئاسة الجمهورية!