راكيل عتيّق
هناك إقتناع راسخ لدى جهات سياسية وشعبية عدة، بأنّ «حزب الله» مسؤول رئيس عن الأزمة في البلد، خصوصاً أنّه يملك الغالبية النيابية وحكومة تصريف الأعمال محسوبة عليه، فضلاً عن أنّه من أتى بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وبالتالي، يعتبر هؤلاء أنّ «الحزب» مسؤول عن عدم تأليف حكومة، وعن تدهور أوضاع البلد، جرّاء انخراطه المُسلّح في أزمات المنطقة، ما تسبّب بخسارة لبنان دعم الدول التي كانت تدعمه تاريخياً، وأبرزها دول الخليج. في المقابل، يؤكّد «الحزب» أنّه يسعى الى الحلحلة على المستويات كافة، ومنها الازمة الحكومية، ويسأل: «ماذا يمكننا أن نفعل، هل نطلق صواريخ على القصر الجمهوري و»بيت الوسط» لفرض التأليف؟».
يتبادل الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الاتهامات بتعطيل التأليف. من جهته، يعتبر «حزب الله» أنّ مسؤولية التأخير في التأليف تقع على الاثنين معاً، إلّا أنّ ميزان تحمُّل المسؤولية يميل الى دفة الحريري أكثر، الذي لا يُعرف ما إذا كان يريد التأليف». وتقول مصادر قريبة من «الحزب»، إنّ السؤال بات الآن: «هل يريد الحريري حكومة أو أن يبقى الوضع على هذه الحال».
«حزب الله» يتولّى التنسيق والتشاور مع باسيل في الملف الحكومي، في إطار مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وتؤكّد مصادر مطّلعة على الاجتماعات، أنّ «باسيل لم يضع عرقلة جديدة بتمسّكه بوزارة الطاقة، بل إنّ 90 في المئة من الخلاف هو على تسمية الوزيرين المسيحيين المتبقيين، بعد توزيع الحصص الوزارية في حكومة من 24 وزيراً بلا ثلث معطّل لأي طرف، وذلك لأنّ الحريري يتمسّك بأنّه كرئيس حكومة من حقّه تسمية هذين الوزيرين، فيما أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وباسيل يرفضان ذلك، لأنّ «الثنائي الشيعي» سمّى الوزراء الشيعة والحريري سمّى الوزراء السنّة وجنبلاط سمّى وزيراً درزياً، ولم يُسمِّ عون وزراء من غير المسيحيين، وبالتالي، لماذا سيُسمّي الحريري وزراء مسيحيين. ويحاول الوسطاء إيجاد حلّ لهذا الموضوع من خلال وضع سلّة أسماء ليجري التوافق بين عون والحريري على اثنين منها. وما زال الخلاف عند هذه النقطة».
وفي إطار تحميل «الحزب» مسؤولية التأخير في التأليف، ردّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أمس الأول، على كلام الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، وذكّره بـ»أنّكم عطّلتم البلد سنة ونصف سنة بغية وصول عون، ولديكم أكثرية نيابية، وأنّ الحكومة أنتم شكلتموها وهي لكم، وإذا اشتكينا فذلك حقنا. أما أنت فكيف تتشكّى لنا؟». وقال: «أطلبوا من رئيس الجمهورية أن يؤلّف الحكومة، وإذا رفض اتخذوا موقفاً سياسياً واضحاً، وذلك كافٍ، لا أن تتفرج على وضع البلد وتتباكى. وبالنسبة إليك سيد حسن، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، التي لا علاقة للبنان واللبنانيين بها ولو ماتوا جوعاً».
المصادر القريبة من «الحزب» تردّ على جعجع حكومياً، بالقول: «إنّ هذا الكلام يُوجّه الى الحريري، فهو من يعرقل التأليف». وتسأل: «هل نضرب صاروخاً على بعبدا وآخر على «بيت الوسط»؟ نحن نضغط للتأليف، لكن كيف نجبر عون والحريري؟»، مشيرةً الى أنّ «الحزب لم يستخدم يوماً «قوته» في الداخل، بل قوته تُستخدم في وجه العدو والإرهاب». وفيما أنّ البعض يعتبر أنّ «حزب الله» استخدم سلاحه في الداخل في 7 أيار 2008 «عندما اجتاح بيروت»، يذكّر «الحزب» بأنّه «لولا 5 أيار لما كان هناك 7 أيار. فإسرائيل لم تتمكّن من الوصول الى شبكة اتصالاتنا». ويعتبر أنّ «7 أيار لم تكن ضدّ الداخل بل الخارج، فمن يضرب سلاح اتصالات المقاومة يضرب قوة لبنان».
بمعزل عن السلاح الحربي، يرى كثيرون أنّ هناك «سلاحاً سياسياً ودستورياً» في يد «الحزب» يمكنه استخدامه للضغط على حكومة تصريف الأعمال لتفعيل عملها، كذلك للضغط على المعنيين بالتأليف، مثل التهديد بالاستقالة من مجلس النواب أو القبول بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بينما أكّد نصرالله رفض إجراء هذه الانتخابات، معتبراً أنّها «مضيعة للوقت». هذا الكلام رأى جعجع فيه أنّ «نصرالله لا يريد انتخابات أبداً، بل يريد بقاء الشعب اللبناني حيث هو، لكننا سنستمرّ في النضال لأخذه الى مكان مشرق».
إلّا أنّ موقف نصرالله منطلق، بحسب المصادر القريبة من «الحزب»، من اقتناع بأنّ «الانتخابات المبكرة ليست الحلّ، ولا تغيّر 10 في المئة من مجلس النواب، ولن تؤدّي الى تغيير جذري».
كذلك أثار كلام نصرالله عن أنّ «الدولة إذا بقيت على تقاعسها، سنشتري بواخر بنزين ومازوت من إيران بالليرة اللبنانية، كما تعرض الحكومة الإيرانية، ونجلبها الى ميناء بيروت، ولتمنع الدولة إدخالها الى لبنان»، استنكاراً واسعاً. واعتبر كثيرون، ومنهم جعجع، «أنّ البنزين، وفقاً لكلام السيد حسن، سيباع على سعر الصرف بعد «كم شحنة للدعاية السياسية»، والبنزين يجب أن يوضع في خزانات، والخزانات في لبنان إمّا ملك الشركات الخاصة التي لن تقبل باستقبال بنزين ايران بسبب العقوبات، وإمّا ملك الدولة التي إذا وُضع البنزين في خزاناتها لن نتمكّن من الاستفادة منها».
فكيف سيجلب «الحزب» النفط الإيراني؟ وهل هو مستعدّ لتعريض لبنان لعقوبات جديدة في ظلّ الانهيار الحاصل؟ بالنسبة الى «حزب الله»، «لا شيء لا حلّ له، فلا مصلحة لنا في توريط الدولة بعقوبات، لكن في المقابل هناك حاجة، وإذا بقيت الأمور على هذا المنوال، سنوجد حلولاً». آلية شراء «الحزب» للمحروقات من إيران غير معلنة بعد، وقد تجري بحسب مصادر قريبة منه، «مثل أي شركة خاصة تستورد النفط، وسنجد مكاناً لتخزينها بطريقة تجنّب الدولة أي عقوبات، علماً أنّ فنزويلا والصين وروسيا تشتري النفط من إيران». أمّا عن طريقة الدفع بالليرة فغير محسومة، وقد يحصل «الحزب» على كمية المحروقات هذه من ضمن المبلغ السنوي الذي تخصّصه له الجمهورية الإسلامية. وتشير المصادر القريبة من «الحزب»، الى «أنّهم بدأوا فتح اعتمادات وتسهيل استيراد المحروقات، وقد يكون ذلك خوفاً من كلام السيد، لكن هذا لا يحزننا بل على العكس، فهدفنا تأمين هذه المادة للمواطنين».
أمّا عن قول باسيل في مقابلة صحافية أجراها أخيراً: «إنّه ليس طبيعياً وجود سلاح غير سلاح الجيش، لأنّ هذا الوضع استثنائي لا يجب أن يستمرّ»، واعتبار البعض أنّ هذا الكلام رسالة الى «حزب الله» في إطار مشاورات التأليف لكي يدعم مطالب باسيل، فيرى «الحزب» أنّ «هذا الكلام مُجتزأ على قاعدة «لا إله»، فيما أنّ سياق مقابلة باسيل الكاملة لم يكن سيئاً، ولقد تحدث عن وضع وظروف استئثائية وعن الإرهاب، وحديثه كان جيداً». ويؤكّد «الحزب» أنّه مستعد للجلوس الى طاولة حوار تحت عنوان «الاستراتيجية الدفاعية» وليس «السلاح»