النقيب السابق لمحامي الشمال الوزير السابق رشيد درباس
تنوء علينا الحالة السياسية بأثقال متنوعة، فمن اندحار النقد الوطني الذي لا نعرف له حداً، إلى انكماش التيار الكهربائي حتى الذبول، واضمحلال الدواء، وخلو حاويات النفايات من فضلات الأكلة المتخمين، وصعوبة الاستشفاء، وهشاشة الوضع الأمني المفضي للفوضى، ووقاحة الخطاب السياسي، وترنح العدالة، يجد المواطن العادي نفسه واقعاً في رمال متحركة، لم يتوقعها، يغفو على وحشيتها ويصحو عليها، ويحاول أن يجد تفسيراً فلا يجد إلا جواباً واحداً: إنها الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله على النار، كما قال زياد بن أبيه في خطبته البتراء؛ ومن أسف أن الخطاب السياسي اللبناني هو أبتر بامتياز لأنه لم يبدأ بحمد الله ، ولا بالإعلان عن مخافته، وهو أبتر أيضاً لأن قائليه بُتْرٌ على ما جاء في القرآن الكريم:" إن شائنك هو الأبتر"، أي الذي لا عقب له المناع للخير. وإنها الجهالة أيضاً وقد حكى عنها السيد المسيح عندما قال:" اغفر لهم يا ابتاه، فإنهم لا يعرفون ما يفعلون"، مع فارقين اثنين، أن أحداً منهم لا يستحق الغفران، وأنهم يعرفون أنهم جهلة ويواظبون على الأذى وادعاء المعرفة؛ فالجاهل الذي لا يعلم انه جاهل له معذرته، فَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ، وأما الجاهل الواثق من جهله، السادر في غيه، فله لعنة التاريخ. ولمن يزعم محبة لبنان نقول له ما قاله المتنبّي:
فَإِنَّ قَليلَ الحُبِّ بِالعَقلِ صالِحٌ
وَإِنَّ كَثيرَ الحُبِّ بِالجَهلِ فاسِدُ
ينظر المواطن حوله فيجد دولته الغالية والعزيزة (والعزيز لغة قليل النوع) مكبلة بشباك فولاذية معقدة، ولكنه يدرك بسليقته وتجربته أن المشاكل المركّبة، تحتاج إلى حلول بسيطة، فهو يعلم أن تشكيل حكومة كفاءات، من وزراء يغلِّبون انتماءهم الوطني على طوائفهم وأحزابهم وعصبياتهم، ولا يشركون جيوبهم مع القطاع العام، ويتمتعون بالخبرة والأناة والسمعة الوطنية والدولية الحسنة، يفكّ الحصار، ويسمح للماء أن يجري في سواقينا.
ولكنه يعلم أيضاً، أن الطبقة المهيمنة تفضل احتكار الفشل على المشاركة في النجاح، والانفراد بحكم الخراب، على الإسهام في ورشة الإعمار.
"إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (سورة الأحزاب)
وعن الرسول: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
صديقي فرنسوا، الأمين العريق على الفرنكوفونية أرسل لي معلومة غاية في الطرافة، وهي أن justin de selves وكان وزيراً للشؤون الخارجية الفرنسية: ministre des affaires étrangères، ولكنه لِشدة جهلة أطلقوا عليه لقب le minister etranger aux affaires، أي الوزير الغريب عن الشؤون الخارجية، وأنه في إحدى المواجهات في الجمعية الوطنية الفرنسية، قال له النائب Jean Jaurès :
Vous êtes, Monsieur, d'une ignorance encyclopédique
إنك يا سيدي، على جهل موسوعي.
ما يمضّ المواطن اللبناني، ان ظَلَمته على جهل موسوعي، عريق في القدم، لا يتبين له حدوداً أو نهاية، فهل يتذرع إذاً بأبي العلاء ويستذكر قوله:
فَلَمّا رأيتُ الجَهْلَ في النّاس فَاشياً
تجاهلتُ حتى ظُنَّ أَنِّيَ جاهلُ
وإذا فعل ذلك فهل سيكون بمنأى عن الفاقة الداهمة والفوضى العارمة؟
إيانا والاستسلام للجهالة الجهلاء والضلالة العمياء، ولنتسمك بالوعي والوحدة الوطنية واحكام الدستور، ولبنان الرسالة.
ولنتذكر، أن من لا جبل له، لا ثلج له ولا أرز، ومن لا سهل له، لا زرع له، ومن لا شجر له، لا ظلَّ له، وأنه وعلى حد قول محمود درويش: من لا برَّ له.. لا بحر له.. لن نتخلى عن برّنا.. لن نركب البحر.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا