أسامة القادري
مهما تعددت أساليب "فذلكة" التجار والمستوردين والمهربين في الانقضاض على السلع المدعومة على أنواعها، واحتكارها الى يوم "رفع الدعم"، او تهريبها الى سوريا بسعر "الكاش دولار"، يبقى الاسم الحقيقي والنهائي لها "سرقة منظمة" واحدة، بمزاريب متعددة برعاية وحماية قيادات أحزاب السلطة وموظفيها في القطاعين العام والخاص.
يتضح ذلك من خلال مستندات حصلت عليها "نداء الوطن"، تكشف بالأرقام كيف تمت سرقة أموال الأعلاف وأين ذهبت، بالتواطؤ وبشراكة بين أصحاب مزارع الدواجن وتربية المواشي، وبين التجار والمستوردين وموظفي وزارتي الزراعة والاقتصاد، وذلك تسهيلاً لتهريبها الى سوريا.
وتؤكد الوثائق المفترض انها نتيجة تدقيق موظفي وزارة الزراعة في مركز صغبين، أن عشرات الأسماء غالبيتهم محسوبون على قوى الامر الواقع، حصلوا على "بونات" تخولهم الحصول على كميات من الأعلاف المركبة لأبقار حلوب ومواش، ثمن الطن 275 دولاراً على سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، فتبين ان أصحاب هذه الاسماء أشخاص لا يملكون مزارع لتربية الابقار سوى أنهم مقربون من تجار وموزعين، حصلوا على عشرات اطنان الأعلاف المدعومة بالتواطؤ مع موظفي مركز الزراعة في صغبين، ليعمدوا الى بيعها لمهربين الى سوريا، فيتم لاحقاً تقاسم الارباح في ما بين التجار وموظفي الوزارة، بحسب ما أكدته المصادر.
وأكد عامل في إحدى المزارع لـ"نداء الوطن" أن تجار الأعلاف يتفقون مع أشخاص لوضع أسمائهم كمستفيدين من دعم الأعلاف، بموجب ورقة من مختار تشير الى أن الشخص المعني هو مربّي ابقار ولديه 80 رأس بقر، و80 رأس غنم و50 رأس ماعز، فيحصل على "بون" بـ36 طن علف مركب شهرياً. ليتقاضى كعمولة عن كل طن مئة دولار على سعر 3900 ليرة، اي ما يقارب 14 مليون ليرة عن 36 طناً.
وبحسبة بسيطة يكون ثمن هذه الكمية تقريباً 39 مليون ليرة حسب سعر الدعم، ليتم بيعها لتجار مهربين الى سوريا بسعرها الحقيقي 275 دولاراً ، وبالتالي يكون الفارق نحو مئة مليون ليرة حسب سعر الصرف في السوق السوداء. وقال العامل ان اكثر هؤلاء التجار هم مربون ونافذون في وزارة الزراعة ويركزون على تهريب الأعلاف منهم (ق. ص) و (ش. م) و (ر. ح. ح) و (غ. م) هو سمسار لتجار ويعمل في وزارة الزراعة على تسجيل أسماء مزارعين وهميين، يقوم بتصديقها من دون الكشف عليها بالتوافق بين التاجر والمزارع، فيتم اعطاء المزارع مئة دولار على سعر 3900 ليرة لدولار الدعم.
واستكمالاً لفضائح سرقة أموال الناس، التي تمت بموجب قانون "سلطة الموز" وبمادة "الشاطر ما يموت"، وصلت أساليب "شطارته" بالسرقة الممنهجة الى اعتماد آلية تحويل أعداد طيور الدجاج الى رؤوس ماعز، بهدف مضاعفة كميات العلف المدعوم لها شهرياً حتى تجاوز عدد رؤوس الماعز في مزرعة واحدة 27 ألف رأس ماعز، ما يوازي كامل ثروة لبنان من الماعز، فيما هي طيور دجاج، هذا اذا كان عددها صحيحاً وليس متلاعباً فيه لسرقة الدعم. فحصل على 1080 طناً كإستهلاك شهري للماعز. فيما يبيعون البيض والدواجن بأسعار لا طاقة للمواطن لأن يشتريها.
الفضيحة أن الآلية المعتمدة بحسب المستندات انسحبت على اربع مزارع جميعها لتربية الدجاج البياض في بلدة القرعون، تعود لأحد الأشخاص سجلت باسماء ابنائه وجميعها اعتمدت تسجيل الماعز بدلاً من الدواجن. وبالتالي حصلوا في أواخر عام 2020 على كمية ضخمة من الاعلاف المدعومة لثلاثة أشهر، 3240 طناً، و 2640 طناً و 480 طناً، الى حين اتخذ وزير الزراعة عباس مرتضى قراراً بوقف دعم اعلاف الماعز والاغنام لان حصرها واحصاءها ليس امراً بسيطاً وسهلاً، كونها تنتقل من منطقة الى اخرى. على ضوء هذا القرار، تم شطب العدد مقابل خانة الماعز ووضعه مقابل الدواجن، هكذا يكون حصل على حصة الماعز من العلف، وعمد الى تصحيح الخطأ على أنه خطأ مطبعي.
وفي هذا السياق أوضح لـ"نداء الوطن" أحد أصحاب المزارع المتهمين بسرقة العلف المدعوم، أن الخطأ مطبعي حصل من قبل موظف مركز الزراعة تمّ تصحيحه لاحقاً، وتابع ان مزارعهم لم تستلم العلف المدعوم كفاية وحسب الرقم المحدد في الجدول، وانهم حالياً يشترونه من السوق السوداء. ورداً على سؤال أن هذا التلاعب بتحويل اعداد الطيور الى مواش يعد سرقة، قال: "نرفض هذا الاتهام ونطلب الكشف ما اذا لدينا هذه الكميات من الأعلاف".
مرتضى
بدوره وزير الزراعة عباس مرتضى أكد لـ"نداء الوطن" أن دعم العلف للمواشي في بدايته رافقه شوائب وتجاوزات، وقال: "لأن الوزارة ليس لديها فرق ميدانية كافية، لإحصاء أعداد رؤوس المواشي خاصة الأغنام والماعز، طلبنا من المزارعين تأكيد العدد بموجب ورقة مصدقة من البلدية او من المختار للقرى التي لا توجد فيها بلديات. بعدها ألغينا دعم العلف للمواشي لأن فترة ثمانية اشهر تعتمد الرعي، ولاحظنا ان اعدادها مضخمة جداً وضعف ما هو مستورد. لأن الاغنام والماعز لا يمكن احصاؤها"، وأردف مرتضى مؤكداً تجاوزات بعض التجار ومربي الابقار والدواجن وتضخيم الارقام، معيداً المشكلة الى امكانيات الوزارة في ظل ظروف استثنائية تحتاج الى جهود جبارة، وامكانيات كبيرة. وقال رداً على تفاوت الاسعار وجشع التجار والمزارعين: "الحياة صارت عكسية، كانت المنتجات ترمى على الطرقات، الحليب والخضراوات وغيرها، اما اليوم الوضع مختلف، الخطورة ان الدولار اصبح في سعر جنوني 13 ألف ليرة، واصبحت الكلفة جداً مرتفعة، وبالتالي انعكست على الدورة الاقتصادية، لان الموظفين ما زالت رواتبهم كما هي فيما جميع ما يستهلكونه يشترونه من السوق السوداء، هرباً من الذل امام المحطات او في السوبرماركات وغيرها".