في الثاني من أغسطس/ آب عام 2020، قامت لاريسا فون بلانتا بحزم أمتعتها، حيث عملت كمصممة أزياء مستدامة في العاصمة اللبنانية بيروت، لمدة خمس سنوات.
وتدهور الوضع الاقتصادي في بيروت منذ وصولها في عام 2015، ما دفع العديد من صديقاتها إلى مغادرة المدينة. وبعد وفاة والدة فون بلانتا في مايو/ أيار من نفس العام، شعرت بأنها مضطرة للعودة إلى لندن.
وبعد يومين من عودة فون بلانتا إلى المنزل، انتشرت أخبار الانفجار المدمر وسط مدينة بيروت.
وأدى هذا الانفجار الضخم، الذي ورد أنه نتج عن 2,750 طناً مترياً من نترات الأمونيوم المخزنة في مستودع بميناء بيروت، إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للمدينة.
وأوضحت فون بلانتا، التي تبلغ من العمر 27 عاماً، خلال مقابلة عبر الهاتف: "سألني أحد الأصدقاء عما إذا كنت قد رأيت ما حدث في بيروت.. بحثت على موقع غوغل وشاهدت الميناء المشتعل ثم وقوع الانفجار بعد ذلك ببضع ثوان".
وبسبب شعورها بالعجز في لندن، أنشأت فون بلانتا صفحة "Go Fund Me"، التي جمعت 42 ألف دولار وخُصصت من أجل الإصلاحات المحلية والأصدقاء والمصابين.
وبدورها، تواصلت فون بلانتا مع مايك زيرفوغل، وهو الرئيس التنفيذي لمنظمة غير ربحية محلية، تعرف باسم "مشروع السماء"، التي تدير مخططات تمكين المرأة.
واستطاعت أن تتعاون مع زيرفوغل، والعمل مع أحد فروع "مشروع السماء"، وهو يُعرف باسم "استديو السماء".
وتقوم فاطمة خليفة، التي فرت من سوريا مع أطفالها في عام 2012، بإدارة فرع "استديو السماء".
ويتواجد الاستديو، الذي يقدم أعمال التطريز للاجئات السوريات والفلسطينيات، في أحد مخيمات اللاجئين في لبنان، وتحديداً برج البراجنة، حيث تعيش خليفة والنساء الأخريات اللواتي يعملن في التطريز.
وأوضحت خليفة أن مخيم اللاجئين غير آمن، حيث يتواجد فيه العنف المسلح والمخدرات، كما أن الظروف الصحية "مروعة".
وأوضح زيرفوغل خلال مقابلة فيديو مشتركة مع خليفة أنه "بصفتك لاجئاً، ليس لديك خيار آخر.. يأتي العديد من اللاجئين بشكل غير قانوني ويعيشون في خوف مستمر من الترحيل، وخاصة الشباب منهم.. يعد مخيم اللاجئين خارج عن القانون (في لبنان)، لذلك أثناء وجودك في المخيم، لا تستطيع الحكومة الوصول إليك".
وبذلك، أرادت فون بلانتا توفير العمل للنساء اللواتي يعشن أنماط حياة محفوفة بالمخاطر.
وأوضحت أن هناك الكثير من عدم الاستقرار لأنهن لسن مواطنات لبنانيات، حيث لا يمكنهن العودة إلى بلدانهن.
وقال زيرفوغل: "قبل الانفجار، كان هناك أمل في تحسن (الوضع الاقتصادي).. ولكن، رؤية كيفية تعامل السياسيون مع الانفجار - أو عدم تعاملهم معه - جعلنا ندرك أن البلاد كانت ستنزلق أكثر.. لقد كانت صدمة كبيرة للنساء ولخليفة".
وأوضحت فون بلانتا، التي تدربت في جامعة "سنترال سانت مارتينز" للأزياء والإبداع بلندن: "كنا بحاجة إلى فكرة بسيطة.. لم نرغب في صنع أي شيء جديد.. طلبنا من أصدقائنا فقط إرسال ملابس للتطريز".
وعندما عادت فون بلانتا إلى لبنان في 20 أغسطس/ آب، أحضرت 30 قطعة من الملابس حتى تطرزها النساء في "استوديو السماء".
وطلب بعض الأشخاص ألواناً معينة، بينما فضل آخرون عنصر المفاجأة ولم يقوموا بإعطاء أي تعليمات.
وفي غضون 3 أشهر، زُينت 30 قطعة بتطريزات معقدة وزخارف سورية وفلسطينية.
وكانت مبادرة إعادة التدوير ناجحة للغاية إلى درجة أن فون بلانتا وخليفة قد استمرا بالعمل معاً، ما أدى إلى إنشاء مشروع "LVP x Alasma Studios".
وتقول خليفة: "رؤية الثوب فجأة في العالم الخارجي، عندما تعمل عليه لمدة 10 أيام داخل المخيم، يكاد يكون له قيمة أكثر من قيمة من المال.. من الجميل رؤية هذا الدعم".
وأوضحت فون بلانتا: "هناك تقارب حقيقي بين الزبون وهؤلاء النسوة في بيروت اللواتي يعشن حياة مختلفة تماماً.. أنت تؤثر عليهن من خلال إرسال قطعة واحدة فقط".
وأشارت إلى أن بعض اللاجئات ترسلن ملاحظات شخصية باللغة العربية مع الملابس.
وتقول خليفة: "تعاني الكثير من النساء من الاكتئاب منذ سنوات عديدة"، منوهةً أنها أصيبت أيضاً باكتئاب عندما وصلت إلى مخيم اللاجئين.
ولم يكن لدى خليفة كهرباء أو ضوء، ولم تستطع تحمل تكلفة إرسال أولادها الثلاثة إلى المدرسة.
وقالت: "فقدت معظم النساء، وأنا من ضمنهن، أفراد عائلاتهن في الحرب أو تركن أسرهن وراءهن.. يعد مشروع السماء بمثابة عائلة بديلة تمنح النساء القوة حتى يتمكنّ من إلهام الجيل القادم، أي أطفالهن، لمغادرة المخيم ذات يوم".
وأضافت خليفة: "يقدم مشروع 'LVP x Alasama' بصيص أمل أن الوضع ببيروت يمكن أن يتحسن.. لا يتعلق الأمر بالأرباح فقط، بل بتقديم الدعم النفسي للمرأة".