الهلع يسيطر على مختلف أنحاء العالم، بعد الأنباء عن مرض جديد قاتل، يرتبط بالغشاء المخاطي ومنه سمي فطر الغشاء المخاطي، ثم يمتد إلى أجهزة الجسم المختلفة، ووصف بأنه الفطر الأسود، واختلف على تاريخ تشخيص هذا المرض، ومن هو المصاب الأول في العصر الحديث الذي من خلال تشريح جثته، وتشخيص مرضه، تم التعرف إلى ذلك المرض المرعب، خاصة وله ارتباط غير مباشر، بالفيروس المستجد كورونا، وبمرض السكري، بصفة أساسية، والإفراط بتناول مضادات تؤدي إلى ضعف مناعة الجسم الذي يمكن أن يتلقط العدوى، من العالم الخارجي، كالتربة والنباتات.
وفيما أجمعت وسائل الإعلام العالمية، على تحديد عام 1885 للميلاد، كأول سنة في العصر الحديث، تم فيها، تشخيص حالة غشاء فطري مخاطي تؤدي إلى نمو عشوائي فطري قاتل، في مختلف أجهزة الجسم، فإن المراجع تؤكد، أن ما حصل عام 1885، كان أول بحث منشور عن تلك الحالة، فيما أول تشخيص، كان سبق هذا التاريخ بتسع سنوات.
المريض المعاصر مات بالسرطان عام 1876
وتعود أول حالة في العصر الحديث، تم فيها تشخيص مرض الغشاء المخاطي الفطري، إلى عام 1876 للميلاد، على يد الطبيب الألماني فورنبغر، وتعود لمريض توفي بالسرطان، وتم ملاحظة تجمّع لنمو فطري، في رئته اليمنى. وبعد تسعة أعوام من هذا التاريخ، جاء الطبيب الألماني-النمساوي، أرنولد بالتوف Arnold Paltauf ليقدم أول بحث منشور، عن حالة عالجها، بنفسه، ثم شرحها وكتب عنها، عام 1885.
معلومات شحيحة، عن الطبيب الشرعي بالتوف، إلا أن الثابت فيها، أنه لم يعمر طويلاً، ولم يتجاوز عمره 33 وعاماً.
ولد بالتوف عام 1860، وتوفي عام 1893، وهو طبيب تشريح شرعي وبدأ حياته العملية في علم الأمراض والتشريح. وله أكثر من بحث منشور، ومن أشهره أبحاثه، موضوع بعنوان: فطر موكورينا Mycosis mucorina أو فطار موكورينا، أو ما صارت تعرف الآن بالفطريات السوداء، أو الفطر الأسود.
المريض هولندي بعمر 52 عاماً
يقدم بالتوف، في بحثه هذا، معلومات مفصلة عن التهاب الغشاء المخاطي الفطري، من خلال عمله على حالة، يبدو أن صاحبها هولندي الجنسية، وكان يبلغ من العمر 52 عاماً، بحسب ما ذكره، بالتوف، في بحثه والذي أطلق فيه اسم أنطون فاغنر، على صاحب الحالة، دون أن يتم التحقق ما إذا كان اسماً مستعاراً من المؤلف الطبيب، أو الاسم الحقيقي للحالة التي من تشخيصها، عرف هذا المرض الذي يبدأ بالتهاب مخاطي فطري، ثم من الممكن أن يمتد إلى أجهزة الجسم الأخرى، وصولاً إلى الأنف والعين وحتى الرئتين والدماغ.
يشار في هذا السياق، إلى أن بالتوف، بلغ من الأمانة العلمية، حداً كبيراً جعله، يحيل إحدى المعلومات المتعلقة بتشخيص التهاب مخاطي فطري، إلى طبيب سابق، ومن خلال كتابه، تظهر إحالة إلى الدكتور الألماني فوربنغر، وهذا يؤكد أنه سبقه عام 1876، ويؤكد أن الأخير، صاحب أو تشخيص، فيما بالتوف، صاحب أول بحث نشور عام 1885 عن تلك الحالة، والتي تبدو "مرعبة" في كتاب بالتوف.
وبحسب كتاب بالتوف، فإن الهولندي أنطون فاغنر، أدخل إلى المستشفى في 12 يناير من عام 1883، ويعاني من مشاكل صحية عديدة، أبرزها شكوى معدية، ونوبات تشنج مصحوبة بتقيؤ لا ينقطع، ولمدة ثمانية أيام، ظهر فيها، أعراض نزلة برد حادة، أيضاً، وضعف في البصر، تلاها ارتفاعات متكررة بدرجات الحرارة، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة، في المستشفى.
يغزو أنسجة الجسم وصولاً إلى الدماغ
ويفصّل بالتوف، في بحثه، الصفات التشريحية للمريض الهولندي، وعلاقتها بمرضه وإصابته بالتهاب الغشاء المخاطي الفطري، والذي يبدو أنه استولى على مساحات واسعة من أجهزة المريض، بحسب تفاصيل بالتوف المتعلقة بغشائه المخاطي ولونه، وحالة الرئة، وسقف البلعوم.
كما يقول الطبيب الشرعي، إن الهولندي دخل إلى المستشفى، بعد إصابته بالتهاب الأمعاء، بعدة أيام، إلا أنه وبعد الوصف التشريحي للحالة، فقد تبين غزو الفطريات وصولاً إلى الدماغ، مطلقاً تعبير "فرط الفطريات" أو النمو المفرط للفطريات، في أمكنة عديدة من جسم الرجل والتي طالت العين، متسببة بنزيف، وتم مشاهدة نمو فطري، حولها، وصولاً إلى العضلات التي تحيط بها، كما أوضح.
وكانت تلك التفاصيل الواردة، في بحث بالتوف، هي مرجع وسائل الإعلام العالمية، للقول إنه صاحب تشخيص أول حالة حديثة، فيما كان الطبيب الشرعي، قد صدّر في بحثه، لطبيب آخر، سبقه في الوصف التشريحي والتشخيص الطبي للحالة، فيما كان بالتوف، سابقاً بنشرها مفصلة، لا سابقاً بتشخيصها، بحسب تصديره هو نفسه.
مات صغيراً وشقيقه طبيب أصاب شهرة
ومن خلال السيرة الذاتية المقتضبة، لبالتوف، فإنه لم يصب من الشهرة ما أصابه، شقيقه الدكتور ريتشار بالتوف Richard Paltauf 1858-1924 فالأخير موجود بصورة على مختلف محركات البحث العالمية، ويعرف به تفصيلاً وبأنه شقيق له! وبإنجازاته العلمية والطبية، ومنها، تأسيس مدرسة للتشريح، وكتابة بحث يوصف بالهام عن علم الجراثيم، وفضله بتأسيس مؤسسة للتطعيم من داء الكَلَب، وإنجازات عديدة أخرى.
إلى ذلك توقع بالتوف، في خاتمة بحثه، ما يمكن أن يعد هو الآخر، سبقاً، فقد قال إن الصحافة تتعامل مع ظاهرة الالتهاب المخاطي الفطري، على أنه قليل الأهمية، إلا أنه يؤكد أن ما قدمه في بحثه، يعتبر إثراء للمعرفة بمثل ذلك المرض، وإن كان محدود الانتشار، أقله وقتذاك. وها هي وسائل الإعلام، تعيد إليه حقه، وتشير إليه كصاحب أول بحث منشور عن تشخيص حالة التهاب الغشاء المخاطي الفطري، والتي يشار إليها الآن، بالفطر الأسود.